الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الدليل على أن المسلم لا ينجس

                                                                                                                371 حدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى يعني ابن سعيد قال حميد حدثنا ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا إسمعيل ابن علية عن حميد الطويل قال حدثنا بكر بن عبد الله عن أبي رافع عن أبي هريرة أنه لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل فذهب فاغتسل فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاءه قال أين كنت يا أبا هريرة قال يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إن المؤمن لا ينجس

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس وفي الرواية الأخرى : إن المسلم لا ينجس هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا فأما الحي فطاهر بإجماع المسلمين حتى [ ص: 52 ] الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها . قال بعض أصحابنا : هو طاهر بإجماع المسلمين . قال : ولا يجيء فيه الخلاف المعروف في نجاسة رطوبة فرج المرأة ، ولا الخلاف المذكور في كتب أصحابنا في نجاسة ظاهر بيض الدجاج ونحوه فإن فيه وجهين بناء على رطوبة الفرج . هذا حكم المسلم الحي ، وأما الميت ففيه خلاف للعلماء وللشافعي فيه قولان : الصحيح منهما أنه طاهر ، ولهذا غسل ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن المسلم لا ينجس وذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس تعليقا : المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا . هذا حكم المسلم . وأما الكافر فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم هذا مذهبنا ومذهب الجماهير من السلف والخلف .

                                                                                                                وأما قول الله - عز وجل - : إنما المشركون نجس فالمراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار ، وليس المراد أن أعضاءهم نجسة كنجاسة البول والغائط ونحوهما . فإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلما كان أو كافرا ، فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات سواء كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء ، وهذا كله بإجماع المسلمين كما قدمته في باب الحيض ، وكذلك الصبيان أبدانهم وثيابهم ولعابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة ، فتجوز الصلاة في ثيابهم ، والأكل معهم من المائع إذا غسلوا أيديهم فيه ، ودلائل هذا كله من السنة والإجماع مشهورة . والله أعلم .

                                                                                                                وفي هذا الحديث استحباب احترام أهل الفضل وأن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم ، فيكون على أكمل الهيئات وأحسن الصفات . وقد استحب العلماء لطالب العلم أن يحسن حاله في حال مجالسة شيخه ، فيكون متطهرا متنظفا بإزالة الشعور المأمور بإزالتها وقص الأظفار وإزالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة وغير ذلك ؛ فإن ذلك من إجلال العلم والعلماء . والله أعلم .

                                                                                                                وفي هذا الحديث أيضا من الآداب أن العالم إذا رأى من تابعه أمرا يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه ، وقال له صوابه وبين له حكمه . والله أعلم .

                                                                                                                وأما ألفاظ الباب ففيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : المؤمن لا ينجس يقال : بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس بكسر الجيم وضمها ، فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ، ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضا ، وهذا قياس مطرد معروف عند أهل العربية إلا أحرفا مستثناة من المكسور . والله أعلم .

                                                                                                                وفيه قوله : ( فانسل ) أي ذهب في خفية .

                                                                                                                وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس وقد قدمنا في مواضع أن سبحان الله في هذا الموضع وشبهه يراد بها التعجب . وبسطنا الكلام فيه في باب وجوب الغسل على المرأة إذا أنزلت المني .

                                                                                                                وفيه قوله : ( فحاد عنه ) أي مال وعدل .

                                                                                                                [ ص: 53 ] وفيه أبو رافع عن أبي هريرة واسم أبي رافع نفيع . وفيه أبو وائل واسمه شقيق بن سلمة .

                                                                                                                وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ففيه قول مسلم في الإسناد الثاني : ( وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا : حدثنا وكيع عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة ) هذا الإسناد كله كوفيون إلا أن حذيفة كان معظم مقامه بالمدائن . وأما قوله في الإسناد الأول : ( حدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد قال : حميد حدثنا ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له قال : حدثنا إسماعيل ابن علية عن حميد الطويل عن أبي رافع عن أبي هريرة ) فقد يلتبس على بعض الناس . قوله : قال حميد حدثنا وليس فيه ما يوجب اللبس على من له أدنى اشتغال بهذا الفن فإن أكثر ما فيه أنه قدم حميدا على حدثنا والغالب أنهم يقولون : حدثنا حميد فقال : هو حميد حدثنا ولا فرق بين تقديمه وتأخيره في المعنى . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله : ( عن حميد عن أبي رافع ) فهكذا هو في صحيح مسلم في جميع النسخ قال القاضي عياض : قال الإمام أبو عبد الله المازري : هذا الإسناد منقطع إنما يرويه حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع . هكذا أخرجه البخاري وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ، وهذا كلام القاضي عن المازري . وكما أخرجه البخاري عن حميد عن بكر عن أبي رافع كذلك أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من الأئمة ، ولا يقدح هذا في أصل متن الحديث ، فإن المتن ثابت على كل حال من رواية أبي هريرة ومن رواية حذيفة . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية