الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 56 ] وفي المضمرات : لو اقتدى فيه لأساء ( وإذا خاف فوت ) ركعتي ( الفجر لاشتغاله بسنتها تركها ) لكون الجماعة أكمل ( وإلا ) بأن رجا إدراك ركعة في ظاهر المذهب . وقيل التشهد واعتمده المصنف والشرنبلالي تبعا للبحر ، لكن ضعفه في النهر ( لا ) يتركها بل يصليها عند باب المسجد إن وجد مكانا وإلا تركها لأن ترك المكروه مقدم على فعل السنة . [ ص: 57 ] ثم ما قيل يشرع فيها ثم يكبر للفريضة أو ثم يقطعها ويقضيها مردود بأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ( ولا يقضيها إلا بطريق التبعية ل ) قضاء ( فرضها قبل الزوال [ ص: 58 ] لا بعده في الأصح ) لورود الخبر بقضائها في الوقت المهمل ، بخلاف القياس فغيره عليه لا يقاس ( بخلاف سنة الظهر ) وكذا الجمعة ( فإنه ) إن خاف فوت ركعة ( يتركها ) ويقتدي ( ثم يأتي بها ) على أنها سنة ( في وقته ) أي الظهر ( قبل شفعه ) عند محمد ، [ ص: 59 ] وبه يفتى جوهرة . وأما ما قبل العشاء فمندوب لا يقضى أصلا

التالي السابق


( قوله وفي المضمرات إلخ ) من كلام القهستاني قصد به تأييد ما ادعاه من كون الكراهة تنزيهية الذي هو معنى الإساءة ا هـ ح .

مطلب هل الإساءة دون كراهة أو أفحش

قلت : لكن قدمنا في سنن الصلاة الخلاف في أن الإساءة دون الكراهة أو أفحش ، ووفقنا بينهما بأنها دون التحريمية وأفحش من التنزيهية ( قوله وإذا خاف إلخ ) علم منه ما إذا غلب على ظنه بالأولى نهر . وإذا تركت لخوف فوت الجماعة فالأولى أن تترك لخوف خروج الوقت ط عن أبي السعود .

( قوله تركها ) أي لا يشرع فيها ، وليس المراد بقطعها لما مر أن الشارع في النفل لا يقطعه مطلقا ، فما في النهر هنا من قوله ولو قيد الثانية منها بالسجدة غير صحيح كما نبه عليه الشيخ إسماعيل .

( قوله لكون الجماعة أكمل ) لأنها تفضل الفرد منفردا بسبع وعشرين ضعفا لا تبلغ ركعتا الفجر ضعفا واحدا منها لأنها أضعاف الفرض ، والوعيد على الترك للجماعة ألزم منه على ركعتي الفجر ، وتمامه في الفتح والبحر .

( قوله بأن رجا إدراك ركعة ) تحويل لعبارة المتن ، وإلا فالمتبادر منها القول الثاني .

( قوله وقيل التشهد ) أي إذا رجا إدراك الإمام في التشهد لا يتركها بل يصليها ، وإن علم أن تفوته الركعتان معه .

( قوله تبعا للبحر ) فيه أن صاحب البحر ذكر أن كلام الكنز يشمل التشهد ; ثم ذكر أن ظاهر الجامع الصغير أنه لو رجا إدراك التشهد فقط يترك السنة . ونقل عن الخلاصة أنه ظاهر المذهب وأنه رجحه في البدائع . ونقل عن الكافي والمحيط أنه يأتي بها عندهما خلافا لمحمد ، فليس فيه سوى حكاية القولين ، بل ذكر قبل ذلك ما يدل على اختياره لظاهر الرواية حيث قال : وإن لم يمكن بأن خشي فوت الركعتين أحرز أحقهما وهو الجماعة .

( قوله لكن ضعفه في النهر ) حيث قال إنه تخريج على رأي ضعيف . ا هـ .

قلت : لكن قواه في فتح القدير بما سيأتي ، من أن من أدرك ركعة من الظهر مثلا فقد أدرك فضل الجماعة وأحرز ثوابها كما نص عليه محمد وفاقا لصاحبيه ، وكذا لو أدرك التشهد يكون مدركا لفضيلتها على قولهم . قال : وهذا يعكر على ما قيل إنه لو رجا إدراك التشهد لا يأتي بسنة الفجر على قول محمد . والحق خلافه لنص محمد على ما يناقضه ا هـ أي لأن المدار هنا على إدراك فضل الجماعة ، وقد اتفقوا على إدراكه بإدراك التشهد ، فيأتي بالسنة اتفاقا كما أوضحه في الشرنبلالية أيضا ، وأقره في شرح المنية وشرح نظم الكنز وحاشية الدرر لنوح أفندي وشرحها للشيخ إسماعيل ونحوه في القهستاني وجزم به الشارح في مواقيت الصلاة .

( قوله عند باب المسجد ) أي خارج المسجد كما صرح به القهستاني . وقال في العناية لأنه لو صلاها في المسجد كان متنفلا فيه عند اشتغال الإمام بالفريضة وهو مكروه ، فإن لم يكن على باب المسجد موضع للصلاة يصليها في المسجد خلف سارية من سواري المسجد ، وأشدها كراهة أن يصليها مخالطا للصف مخالفا للجماعة والذي يلي ذلك خلف الصف من غير حائل ا هـ ومثله في النهاية والمعراج .

( قوله وإلا تركها ) قال في الفتح : وعلى هذا أي على كراهة صلاتها في المسجد ينبغي أن لا يصلي فيه إذا لم يكن [ ص: 57 ] عند بابه مكان لأن ترك المكروه مقدم على فعل السنة . غير أن الكراهة تتفاوت ، فإن كان الإمام في الصيفي فصلاته إياها في الشتوي أخف من صلاتها في الصيفي وعكسه ، وأشد ما يكون كراهة أن يصليها مخالطا للصف كما يفعله كثير من الجهلة . ا هـ .

والحاصل أن السنة في سنة الفجر أن يأتي بها في بيته ، وإلا فإن كان عند باب المسجد مكان صلاها فيه ، وإلا صلاها في الشتوي أو الصيفي إن كان للمسجد موضعان ، وإلا فخلف الصفوف عند سارية ، لكن فيما إذا كان للمسجد موضعان والإمام في أحدهما ، ذكر في المحيط أنه قيل لا يكره لعدم مخالفة القوم ، وقيل يكره لأنهما كمكان واحد . قال : فإذا اختلف المشايخ فيه فالأفضل أن لا يفعل . قال في النهر : وفيه إفادة أنها تنزيهية ا هـ . لكن في الحلية قلت : وعدم الكراهة أوجه للآثار التي ذكرناها ا هـ ثم هذا كله إذا كان الإمام في الصلاة ، أما قبل الشروع فيأتي بها في أي موضع شاء كما في شرح المنية . قال الزيلعي : وأما بقية السنن إن أمكنه أن يأتي بها قبل أن يركع الإمام أتى بها خارج المسجد ثم اقتدى ، وإن خاف فوت ركعة اقتدى .

( قوله ثم ما قيل إلخ ) قال في الفتح : وما عن الفقيه إسماعيل الزاهد أنه ينبغي أن يشرع فيها ثم يقطعها فيجب القضاء فيتمكن من القضاء بعد الصلاة ، دفعه الإمام السرخسي بأن ما وجب بالشروع ليس أقوى مما وجب بالنذر . ونص محمد أن المنذور لا يؤدى بعد الفجر قبل الطلوع . وأيضا شروع في العبادة بقصد الإفساد .

فإن قيل : ليؤديها مرة أخرى . قلنا إبطال العمل منهي ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ا هـ وقوله ثم يكبر للفريضة أي ينوي السنة أولا ويكبر ، ثم ينوي الفريضة بقلبه ويكبر بلسانه ، فيصير منتقلا عنها إلى الفرض وفي هذا إبطال لها ضمنا فالظاهر أنه منهي أيضا فلا يظهر قول العلامة المقدسي أنه لو فعل كذلك ثم قضاها بعد ارتفاع الشمس لا يرد شيء مما ذكر ا هـ فتأمل . ثم رأيت ما ذكره في شرح المنية قائلا : ويدل عليه قول الكنز في باب ما يفسد الصلاة : وافتتاح العصر أو التطوع بعد ركعة الظهر ، فإنه صريح بأن الظهر يفسد بالشروع في غيره . ا هـ .

[ تنبيه ] قال في القنية : لو خاف أنه لو صلى سنة الفجر بوجهها تفوته الجماعة ، ولو اقتصر فيها بالفاتحة وتسبيحة في الركوع والسجود يدركها فله أن يقتصر عليها لأن ترك السنة جائز لإدراك الجماعة ، فسنة السنة أولى . وعن القاضي الزرنجري : لو خاف أن تفوته الركعتان يصلي السنة ويترك الثناء والتعوذ وسنة القراءة ، ويقتصر على آية واحدة ليكون جمعا بينهما وكذا في سنة الظهر . ا هـ . وفيها أيضا : صلى سنة الفجر وفاته الفجر لا يعيد السنة إذا قضى الفجر . ا هـ .

( قوله ولا يقضيها إلا بطريق التبعية إلخ ) أي لا يقضي سنة الفجر إلا إذا فاتت مع الفجر فيقضيها تبعا لقضائه لو قبل الزوال ; وما إذا فاتت وحدها فلا تقضى قبل طلوع الشمس بالإجماع ، لكراهة النفل بعد الصبح . وأما بعد طلوع الشمس فكذلك عندهما . وقال محمد : أحب إلي أن يقضيها إلى الزوال كما في الدرر . قيل هذا قريب من الاتفاق لأن قوله أحب إلي دليل على أنه لو لم يفعل لا لوم عليه . وقالا : لا يقضي ، وإن قضى فلا بأس به ، كذا في الخبازية ; ومنهم من حقق الخلاف وقال الخلاف في أنه لو قضى كان نفلا مبتدأ أو سنة ، كذا في العناية يعني نفلا عندهما سنة عنده كما ذكره في الكافي إسماعيل ( قوله لقضاء فرضها ) متعلق بالتبعية ; وأشار بتقدير [ ص: 58 ] المضاف إلى أن التبعية في القضاء فقط ، فليس المراد أنها تقضى بعده تبعا له بل تقضى قبله تبعا لقضائه .

( قوله لا بعده في الأصح ) وقيل تقضى بعد الزوال تبعا ولا تقضى مقصودة إجماعا كما في الكافي إسماعيل .

( قوله لورود الخبر ) وهو ما روي { أنه صلى الله عليه وسلم قضاها مع الفرض غداة ليلة التعريس بعد ارتفاع الشمس } كما رواه مسلم في حديث طويل . والتعريس : نزول المسافر آخر الليل كما ذكره في المغرب إسماعيل .

( قوله في الوقت المهمل ) هو ما ليس وقت فريضة : وهو ما بعد طلوع الشمس إلى الزوال ، وليس عندنا وقت مهمل سواه على الصحيح ، وقيل مثله ما بين بلوغ الظل مثله إلى المثلين ( قوله بخلاف القياس ) متعلق بورود أو بقضائها فافهم ، وذلك لأن القضاء مختص بالواجب لأنه كما سيذكره في الباب الآتي فعل الواجب بعد وقته فلا يقضي غيره إلا بسمعي ، وهو قد دل على قضاء سنة الفجر فقلنا به ، وكذا ما روي عن عائشة في سنة الظهر كما يأتي ، ولذا نقول : لا تقضى سنة الظهر بعد الوقت فيبقى ما وراء ذلك على العدم كما في الفتح .

( قوله وكذا الجمعة ) أي حكم الأربع قبل الجمعة كالأربع قبل الظهر كما لا يخفى بحر ، وظاهره أنه لم يره في البحر منقولا صريحا ، وقد ذكره في القهستاني ، لكن لم يعزه إلى أحد . وذكر السراج الحانوتي أن هذا مقتضى ما في المتون وغيرها ، لكن قال في روضة العلماء إنها تسقط لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال " إذا خرج الإمام فلا صلاة إلا المكتوبة " ا هـ رملي .

أقول : وفي هذا الاستدلال نظر لأنه إنما يدل على أنها لا تصلى بعد خروجه لا على أنها تسقط بالكلية ولا تقضى بعد الفراغ من المكتوبة ، وإلا لزم أن لا تقضى سنة الظهر أيضا ، فإنه ورد في حديث مسلم وغيره { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } نعم قد يستدل للفرق بينهما بشيء آخر ، وهو أن القياس في السنن عدم القضاء كما مر ، وقد استدل قاضي خان لقضاء سنة الظهر بما عن عائشة رضي الله تعالى عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر قضاهن بعده } فيكون قضاؤها ثبت بالحديث على خلاف القياس كما في سنة الفجر ، كما صرح به في الفتح ، فالمقول بقضاء سنة الجمعة يحتاج إلى دليل خاص ، وعليه فتنصيص المتون على سنة الظهر دليل على أن سنة الجمعة ليست كذلك فتأمل .

( قوله فإنه إن خاف فوت ركعة إلخ ) بيان لوجه المخالفة بين سنة الظهر وسنة الفجر ، ومفهومه أنه يأتي بها وإن أقيمت الصلاة إذا علم أنه يدرك معه الركعة الأولى بعد أن لا يكون مخالطا للصف بلا حائل كما مر .

ويشكل عليه ما تقدم في أوقات الصلاة من كراهة التطوع عند الإقامة للمكتوبة ، لكن نقلنا هناك عن عدة كتب تخصيص الكراهة المذكورة بإقامة صلاة الجمعة . والفرق أن التنفل عندها لا يخلو غالبا عن مخالطة الصفوف لكثرة الزحام ، بخلاف غيرها من المكتوبات ( قوله على أنها سنة ) أي اتفاقا . وما في الخانية وغيرها من أنها نفل عنده سنة عندهما فهو من تصرف المصنفين ، لأن المذكور في المسألة الاختلاف في تقديمها أو تأخيرها ، والاتفاق على قضائها ; وهو اتفاق على وقوعها سنة كما حققه في الفتح وتبعه في البحر والنهر وشرح المنية .

( قوله في وقته ) فلا تقضى بعده لا تبعا ولا مقصودا بخلاف سنة الفجر . وظاهر البحر الاتفاق على ذلك ، لكن صرح في الهداية بأن في قضائها بعد الوقت تبعا للفرض اختلاف المشايخ ، ولذا قال في النهر : إن ما في البحر سهو . وأجاب الشيخ إسماعيل بأنه بناه على الأصح .

( قوله عند محمد ) وعند أبي يوسف بعده ، كذا في الجامع الصغير الحسامي [ ص: 59 ] وفي المنظومة وشرحها : الخلاف على العكس . وفي غاية البيان : يحتمل أن يكون عن كل من الإمامين روايتان ح عن البحر .

( قوله وبه يفتى ) أقول : وعليه المتون ، لكن رجح في الفتح تقديم الركعتين . قال في الإمداد : وفي فتاوى العتابي أنه المختار ، وفي مبسوط شيخ الإسلام أنه الأصح لحديث عائشة { أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر يصليهن بعد الركعتين } وهو قول أبي حنيفة ، وكذا في جامع قاضي خان ا هـ والحديث قال الترمذي حسن غريب فتح ( قوله وأما ما قبل العشاء فمندوب ) يعني قد علم حكم سنة الفجر والظهر والجمعة ولم يبق من النوافل القبلية إلا سنة العصر ، ومن المعلوم أنها لا تقضى لكراهة التنفل بعد صلاة العصر وكذا سنة العشاء ، لكن لا تقضى لأنها مندوبة .

أقول : وفي هذا التعليل نظر لأنه يوهم أن قضاء سنة الفجر والظهر لسنيتهما ، ولو كانتا مندوبتين لم تقضيا وليس كذلك ، لأن قضاءهما ثبت بالنص على خلاف القياس ; فيبقى ما وراء النص على العدم كما صرح به في الفتح حتى لو ورد نص في قضاء المندوب نقول به ، وبهذا ظهر لك ما في قول الإمداد : إن التي قبل العشاء مندوبة فلا مانع من قضائها بعد التي تلي العشاء . ا هـ . نعم لو قضاها لا تكون مكروهة بل تقع نفلا مستحبا ، لا على أنها هي التي فاتت عن محلها كما قالوه في سنة التراويح




الخدمات العلمية