الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويقدم في الصلاة عليه السلطان ) إن حضر ( أو نائبه ) وهو أمير المصر ( ثم القاضي ) ثم صاحب الشرط [ ص: 220 ] ثم خليفته ثم خليفة القاضي ( ثم إمام الحي ) فيه إيهام ، وذلك أن تقديم الولاة واجب ، وتقديم إمام الحي مندوب فقط بشرط أن يكون أفضل من الولي ، وإلا فالولي أولى كما في المجتبى وشرح المجمع للمصنف . وفي الدراية : إمام المسجد الجامع أولى من إمام الحي : أي مسجد محلته نهر ( ثم الولي ) بترتيب عصوبة الإنكاح إلا الأب [ ص: 221 ] فيقدم على الابن اتفاقا إلا أن يكون عالما والأب جاهلا فالابن أولى . فإن لم يكن له ولي فالزوج ثم الجيران ، ومولى العبد أولى من ابنه الحر لبقاء ملكه ، والفتوى على بطلان الوصية بغسله والصلاة عليه

التالي السابق


مطلب في بيان من هو أحق بالصلاة على الميت

( قوله نائبه ) الأولى ثم نائبه ح : أي كما عبر في الفتح وغيره ( قوله ثم صاحب الشرط ) قال في الشرنبلالية ظاهر كلام الكمال أن صاحب الشرط غير أمير البلد . وفي المعراج ما يفيد أنه هو حيث قال الشرط بالسكون والحركة خيار الجند ، والمراد أمير البلدة كأمير بخارى . ا هـ . وأجاب ط بحمل أمير البلد على المولى من نائب السلطان لا من السلطان .

هذا ، وتقدم في الجمعة تقديم الشرطي على القاضي ، وما هنا مخالف له ، ولم أر من نبه عليه فليتأمل [ ص: 220 ] قوله ثم خليفته ) كذا في البحر : أي خليفة صاحب الشرط كما هو المتبادر ، وفيه أنه حيث قدم القاضي على صاحب الشرط كان المناسب تقديم خليفته على خليفة صاحب الشرط ; فالمناسب قول الفتح ، ثم خليفة الوالي ، ثم خليفة القاضي ا هـ ومثله في الإمداد عن الزيلعي ( قوله ثم إمام الحي ) أي الطائفة وهو إمام المسجد الخاص بالمحلة ، وإنما كان أولى لأن الميت رضي بالصلاة خلفه في حال حياته ، فينبغي أن يصلي عليه بعد وفاته . قال في شرح المنية : فعلى هذا لو علم أنه كان غير راض به حال حياته ينبغي أن لا يستحب تقديمه . ا هـ . قلت : هذا مسلم إن كان عدم رضاه به لوجه صحيح ، وإلا فلا تأمل ( قوله فيه إيهام ) أي في كلام المصنف إيهام التسوية في الحكم بين تقديم المذكورين ، لكن القاعدة الأصولية أن القرآن في الذكر لا يوجب الاتحاد في الحكم تأمل . مطلب تعظيم أولي الأمر واجب

( قوله : وذلك أن تقديم الولاة واجب ) لأن في التقديم عليهم ازدراء بهم ، وتعظيم أولي الأمر واجب ، كذا في الفتح . وصرح في الولوالجية والإيضاح وغيرهما بوجوب تقديم السلطان ، وعلله في المنبع وغيره بأنه نائب النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيكون هو أيضا كذلك إسماعيل ( قوله بشرط إلخ ) نقل هذا الشرط في الحلية ، ثم قال : وهو حسن ، وتبعه في البحر ( قوله إمام المسجد الجامع ) عبر عنه في شرح المنية بإمام الجمعة . [ تنبيه ]

وأما إمام مصلي الجنازة الذي شرطه الواقف وجعل له معلوما من وقفه فهل يقدم على الولي كإمام الحي أم لا للقطع بأن علة الرضا بالصلاة خلفه في حياته خاصة بإمام المحلة ؟ والذي يظهر لي أنه إن كان مقررا من جهة القاضي فهو كنائبه ، وإن من جهة الناظر فكالأجنبي أفاده في البحر . وخالفه في النهر بأن ما مر في باب الإمامة من تقديم الراتب على إمام الحي يقتضي تقديمه هنا عليه . واستظهر المقدسي أنه كالأجنبي مطلقا لأنه إنما يجعل للغرباء ، ومن لا ولي له .

أقول : وهذا أولى لما يأتي من أن الأصل أن الحق للولي ، وإنما قدم عليه الولاة وإمام الحي لما مر من التعليل وهو غير موجود هنا ، وتقرير القاضي له لاستحقاق الوظيفة لا لجعله نائبا عنه ، وإلا لزم أن كل من قرره القاضي في وظيفة إمامة أن يكون نائبا عنه مقدما على إمام الحي ، والفرق بينه وبين الإمام الراتب ظاهر لأنه لم يرضه للصلاة خلفه في حياته بخلاف الراتب ، هذا ما ظهر لي فتأمله ( قوله ثم الوالي ) أي ولي الميت الذكر البالغ العاقل فلا ولاية لامرأة وصبي ومعتوه كما في الإمداد . قال في شرح المنية : الأصل أن الحق في الصلاة للولي ; ولذا قدم على الجميع في قول أبي يوسف والشافعي ورواية عن أبي حنيفة لأن هذا حكم يتعلق بالولاية كالإنكاح إلا أن الاستحسان وهو ظاهر الرواية تقدم السلطان ونحوه ; لما روي أن الحسين قدم سعيد بن العاص لما مات الحسن وقال : لولا السنة لما قدمتك وكان سعيد واليا بالمدينة ; ولما مر من الوجه في تقديم الولاة وإمام الحي ( قوله بترتيب عصوبة الإنكاح ) فلا ولاية للنساء ولا للزوج إلا أنه أحق من الأجنبي . وفي الكلام رمز إلى أن الأبعد [ ص: 221 ] أحق من الأقرب الغائب . وحد الغيبة هنا أن يكون بمكان تفوته الصلاة إذا حضر ط عن القهستاني . زاد في البحر وأن لا ينتظر الناس قدومه .

قلت : والظاهر أن ذوي الأرحام داخلون في الولاية ، والتقييد بالعصوبة لإخراج النساء فقط . فهم أولى من الأجنبي ، وهو ظاهر ، ويؤيده تعبير الهداية بولاية النكاح تأمل ( قوله : فيقدم على الابن اتفاقا ) هو الأصح لأن للأب فضيلة عليه وزيادة سن ، والفضيلة والزيادة تعتبر ترجيحا في استحقاق الإمامة كما في سائر الصلوات بحر عن البدائع ، وقيل هذا قول محمد . وعندهما الابن أولى . قال في الفتح : وإنما قدمنا الأسن بالسنة . قال عليه الصلاة والسلام في حديث القسامة { ليتكلم أكبرهما } وهذا يفيد أن الحق للابن عندهما إلا أن السنة أن يقدم هو أباه ، ويدل عليه قولهم : سائر القرابات أولى من الزوج إن لم يكن له منها ابن ، فإن كان فالزوج أولى منهم لأن الحق للابن ، وهو يقدم أباه ، ولا يبعد أن يقال إن تقديمه على نفسه واجب بالسنة . ا هـ . وفي البدائع وللابن في حكم الولاية أن يقدم غيره لأن الولاية له ، وإنما منع عن التقدم لئلا يستخف بأبيه فلم تسقط ولايته بالتقديم ( قوله : أن لا يكون إلخ ) قال في البحر : ولو كان الأب جاهلا والابن عالما ينبغي أن يقدم الابن ، إلا أن يقال إن صفة العلم لا توجب التقديم في صلاة الجنازة لعدم احتياجها له . واعترضه في النهر بما مر من أن إمام الحي إنما يقدم على الولي إذا كان أفضل ، قال : نعم ، علل القدوري كراهة تقدم الابن على أبيه بأن فيه استخفافا به ، وهذا يقضي وجوب تقديمه مطلقا . ا هـ . قلت : وهذا مؤيد لما مر آنفا عن الفتح ( قوله فالابن أولى ) في نسخة : والأسن أولى وعليها كتب المحشي فقال : أي إذا حصلت المساواة في الدرجة والقرب والقوة كابنين أو أخوين أو عمين فالأسن أولى .

أقول : إلا أن يكون غير الأسن أفضل ا هـ أي قياسا على تقديم الابن الأفضل على أبيه بل هذا أولى ، فلو كان الأصغر شقيقا والأكبر لأب فالأصغر أولى كما في الميراث ; حتى لو قدم أحد فليس للأكبر منعه كما في البحر ( قوله فإن لم يكن له فالزوج ثم الجيران ) كذا في فتح القدير ، وهو صريح في تقديم الزوج على الأجنبي ولو جارا ، وهو مقتضى إطلاق ما قدمناه عن القهستاني من أن الزوج أحق من الأجنبي . فما هنا أولى من قول النهر والزوج ، والجيران أولى من الأجنبي ا هـ وشمل الولي مولى العتاقة وابنه ومولى الموالاة فإنهم أولى من الزوج لانقطاع الزوجية بالموت بحر ( قوله : ومولى العبد أولى من ابنه الحر ) وكذا من أبيه وغيره . قال الزيلعي : والسيد أولى من قريب عبده على الصحيح ، والقريب أولى من السيد المعتق ا هـ فما في القهستاني من أن ابن العبد وأباه أحق من المولى على خلاف الصحيح ( قوله لبقاء ملكه ) اعترض بما في شرح الهاملية من أن السيد لا يغسل أمته ، ولا أم ولده ولا مدبرته لانقطاع ملكه عنهن بالموت . ا هـ .

أقول : لأن الجثة الميتة لا تقبل الملك ، لكن المراد بقاء الملك حكما كما قيده في البحر ، ولذا يلزمه تكفين عبده كالزوجة مع أن الزوجية انقطعت بالموت كما مر آنفا ، والتغسيل لما فيه من المس والنظر المحذورين لا يراعى فيه الملك الحكمي لضعفه ففارق التكفين وولاية الصلاة ، هذا ما ظهر لي ( قوله : والفتوى على بطلان الوصية ) عزاه في الهندية إلى المضمرات : أي لو أوصى بأن يصلي عليه غير من له حق التقدم ، أو بأن يغسله فلان لا يلزم تنفيذ وصيته ، ولا يبطل حق الولي بذلك . وكذا تبطل لو أوصى بأن يكفن في ثوب كذا أو يدفن في موضع كذا كما عزاه إلى المحيط . وذكر في شرح درر البحار أن تعليل تقديم إمام الحي بما مر من أن الميت رضيه في حياته يعلم أن الموصى [ ص: 222 ] له يقدم على إمام الحي لاختياره له صريحا إلا أن المذكور في المنتقى أن هذه الوصية باطلة ا هـ فتأمل




الخدمات العلمية