الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          فصل : ثم يدفع بعد الغروب من عرفة مع الأمير على طريق المأزمين لأنه صلى الله عليه وسلم سلكه ( إلى مزدلفة ) من الزلف وهو التقرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها ، أي تقربوا ومضوا إليها وتسمى جمعا ، لاجتماع الناس بها ( وهي ) أي مزدلفة ( ما بين المأزمين ) بالهمز وكسر الزاي وهما جبلان بين عرفة ومزدلفة ( ووادي محسر ) بالحاء المهملة والسين المهملة المشددة : واد بين مزدلفة ومنى ، سمي بذلك لأنه يحسر سالكه ( بسكينة ) لقول جابر { ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق القصواء بالزمام ، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى : أيها الناس السكينة السكينة } ( مستغفرا ) لأنه لائق بالحال ( يسرع في الفرجة ) لحديث أسامة { كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فجوة نص } أي أسرع لأن العنق انبساط السير والنص فوق العنق

                                                                          ( فإذا بلغها ) أي مزدلفة ( جمع العشاءين بها ) من يجوز له الجمع ( قبل حط رحله ) لحديث أسامة بن زيد قال : [ ص: 582 ] { دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ، ثم توضأ فقلت له الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك فركب فلما جاء مزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما } متفق عليه ( وإن صلى المغرب بالطريق ترك السنة ) للخبر ( وأجزأه ) لأن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق بينهما ، كالظهر والعصر بعرفة وفعله صلى الله عليه وسلم محمول على الأفضل

                                                                          ( ومن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة أو مزدلفة جمع وحده ) لفعل ابن عمر ( ثم يبيت بها ) أي بمزدلفة وجوبا لأنه صلى الله عليه وسلم بات بها وقال : { لتأخذوا عني مناسككم } وليس بركن لحديث { الحج عرفة فمن جاء قبل ليلة جمع فقد تم حجه } أي جاء عرفة ( وله ) أي الحاج ( الدفع ) من مزدلفة ( قبل الإمام بعد نصف الليل ) لحديث ابن عباس { كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى } متفق عليه .

                                                                          وعن عائشة قالت : { أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت فأفاضت } رواه أبو داود

                                                                          ( وفيه ) أي الدفع من مزدلفة ( قبله ) أي نصف الليل على ( غير رعاة و ) غير ( سقاة ) زمزم ( دم ) علم الحكم أو جهله نسيه أو ذكره لأنه ترك واجبا والنسيان إثما يؤثر في جعل الموجود كالمعدوم ، لا في جعل المعدوم كالموجود وأما السقاة والرعاة فلا دم عليهم لأنه صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك البيتوتة في حديث عدي ورخص للعباس في ترك البيتوتة لأجل سقايته وللمشقة عليهم بالمبيت ( ما لم يعد إليها ) أي المزدلفة ( قبل الفجر ) نصا فإن عاد إليها قبله فلا دم ( كمن لم يأتها ) أي مزدلفة ( إلا في النصف الثاني ) من الليل لأنه لم يدرك فيها جزءا من النصف الأول فلم يتعلق به حكم كمن لم يأتعرفة إلا ليلا

                                                                          ( ومن أصبح بها ) أي مزدلفة ( صلى الصبح بغلس ) لحديث جابر يرفعه { صلى الصبح بها حين تبين له الصبح بأذان وإقامة } وليتسع وقت وقوفه بالمشعر الحرام ( ثم أتى المشعر الحرام ) سمي به لأنه من علامات الحج واسمه في الأصل : قزح وهو جبل صغير بمزدلفة ( فرقى عليه ) إن سهل ( أو وقف عنده وحمد الله تعالى وهلل وكبر ) لحديث " جابر { أتى المشعر الحرام ورقى عليه فحمد الله وهلله وكبره } ( ودعا فقال : اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله } - الآيتين - إلى { غفور رحيم } ) يكرره إلى الإسفار لحديث جابر مرفوعا { لم يزل واقفا عند المشعر الحرام حتى أسفر جدا }

                                                                          ( فإذا أسفر جدا سار ) قبل طلوع الشمس قال عمر { كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير كيما نغير وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم ، فأفاض قبل أن تطلع } [ ص: 583 ] رواه البخاري ويسير ( بسكينة ) لحديث ابن عباس { أردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس ، ثم قال : أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة } ( فإذا بلغ محسرا أسرع قدر رمية حجر ) إن كان ماشيا وإلا حرك دابته لقول جابر { حتى أتى بطن وادي محسر فحرك قليلا } وعن عمر " أنه لما أتى محسرا أسرع وقال :

                                                                          إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها     معترضا في بطنها جنينها



                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية