الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

الثاني : أن يلزمه كفارة بالتحريم ، وهو بمنزلة اليمين ، وهذا قول من سميناه من الصحابة ، وقول فقهاء الرأي والحديث ، إلا الشافعي ومالكا ، فإنهما قالا : لا كفارة عليه بذلك .

والذين أوجبوا الكفارة أسعد بالنص من الذين أسقطوها ، فإن الله سبحانه ذكر تحلة الأيمان عقب قوله : ( لم تحرم ما أحل الله لك ) وهذا صريح في أن تحريم الحلال قد فرض فيه تحلة الأيمان ، إما مختصا به ، وإما شاملا له ولغيره ، فلا يجوز أن يخلى سبب الكفارة المذكورة في السياق عن حكم الكفارة ويعلق بغيره ، وهذا ظاهر الامتناع .

وأيضا فإن المنع من فعله بالتحريم كالمنع منه باليمين ، بل أقوى ، فإن اليمين إن تضمن هتك حرمة اسمه سبحانه ، فالتحريم تضمن هتك حرمة شرعه وأمره ، فإنه إذا شرع الشيء حلالا ، فحرمه المكلف ، كان تحريمه هتكا لحرمة ما شرعه ، ونحن نقول : لم يتضمن الحنث في اليمين هتك حرمة الاسم ، ولا التحريم هتك حرمة الشرع ، كما يقوله من يقول من الفقهاء ، وهو تعليل فاسد جدا ، فإن الحنث إما جائز ، وإما واجب ، أو مستحب ، وما جوز الله لأحد البتة أن يهتك حرمة اسمه ، وقد شرع لعباده الحنث مع الكفارة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا حلف على يمين ورأى غيرها خيرا كفر عن يمينه ، وأتى المحلوف عليه ، ومعلوم أن هتك حرمة اسمه تبارك وتعالى لم يبح في شريعة قط ، وإنما الكفارة كما سماها الله تعالى تحلة ، وهي تفعلة من الحل ، فهي تحل ما عقد به اليمين ليس إلا وهذا [ ص: 288 ] العقد كما يكون باليمين يكون بالتحريم ، وظهر سر قوله تعالى : ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) عقيب قوله : ( لم تحرم ما أحل الله لك )

التالي السابق


الخدمات العلمية