الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : وكذلك موصى له طرأ على موصى لهم أخذوا وصاياهم وبقيت فضلة فيها نصيب الطارئ أخذها الورثة فإنها تحسب عليه ولا يتبع بها إلا الورثة ، وإن لم يكن فيما صار إليهم وفاء وصيته رجع على أصحابه بما بقي ، يتبع كل واحد بما يصير عليه منه لا عن المعدم ، مثل أن يوصي لثلاثة بمائة مائة والثلث مائتان وخمسون ، أخذ الحاضران مائتين والورثة خمسين ، فحصة الطارئ ثلاثة وثمانون وثلث ، يحسب عليه منها عند الورثة خمسون يطلبهم بها وعلى كل واحد من الموصى لهما سبعة عشر إلا ثلثا لا يأخذ مليئا عن معدم ، وله أخذ الوارث المليء بجميع ما أخذ من الخمسين ، ثم يتبعان جميعا بقية الورثة ، وكذلك كل من يرجع على وارث من غريم أو موصى له يستوعب من المليء جميع ما صار له ، وأما غريم على غريم ، أو موصى له على موصى له فالمليء كالمعدم ، ولا يعطي المليء حصة المعدم لتعذر استحقاق كليهما ، والوارث لا يستحق إلا بعد الوصية فقبضه ضعيف .

                                                                                                                وأما وارث على وارثين فقال مالك ، وابن القاسم : [ ص: 223 ] كغريم يطرأ على غرماء وموصى على موصى لاستواء الجميع في سبب الاستحقاق ، يقاسم الوارث الطارئ من وجد مليئا بجميع ما صار إليه كأن الميت لم يترك غيرهما ، ثم يرجعان على الباقين ، فمن أيسر قاسموه ، ثم يرجع هذا معهم هكذا حتى يعتدلوا ، قال محمد : والغريم يطرأ على موصى لهم أو ورثة يأخذ المليء بجميع ما صار إليه ، ومتى قال الوارث : تلف مني ما أخذت ، صدق فيما لا يغاب عليه إلا إن تبين كذبه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو ترك ولدين وعبدين فأخذ كل واحد عبدا إما قسمة أو بيعا ، فمات أحد العبدين ، ثم طرأ أخ ، قالابن القاسم : أما القسمة فباطلة ويدخل جميعهم في العبد الباقي ، قال محمد : وأما لو كانا أخذاهما بشراء ، أو من صاحبه ، أو من وصي ، مصيبة نصف العبد الميت بين الثلاثة ، وهو النصف الذي لم يشتره ، والنصف الذي اشتراه منه وحده ، ثم نصف العبد الحي الذي لم يقع عليه الشراء ، الطارئ يخير في إمضاء بيع نصيبه منه وهو السدس منه ، فإن أمضاه رجع بثمنه على من قبضه ، ونصف الميت المشترى ضمانه من مشتريه ، ويرجع الطارئ بثمن ما استحقه من هذا النصف المبيع على أخيه البائع ، ويخير أيضا عليه في العبد الحي الذي بيده ، إن شاء أخذ ثلثه وهو سدس نصف العبد الذي لم يبع ، ويرجع هذا على الذي مات العبد بيده بثلث ما كان دفع إليه في ثمن العبد الحي ; لأن مشتري العبد إنما وقع شراؤه على نصفه ، وكأن النصفين من العبدين بيعا ، والنصفين قسما ، فما بيع ضمنه مشتريه ، وما قسم فسخ ، ومصيبته من جميع الورثة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : ما سكن الوارث من الدور أو اغتل ظانا ألا وارث معه لا يرجع عليه فيما سكن ، وكذلك الأرض ، ويرجع في الغلة علم أن معه وارثا أو لا .

                                                                                                                [ ص: 224 ] فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا قتل عمدا وترك ولدين ومائة دينار ، وعليه مائة دينار ببينة ، فعفا أحدهما عن الدم مجانا ، وأخذ الآخر نصف الدية يدفع الدين من نصف الدية وسدس المائة ، فيبقى من الدية خمسة أسداسها بيد الولدين نصفين ، ولغير العافي ما بقي له من نصف الدية وهو أربعمائة وستة عشر وثلث ، وفي رواية عيسى : تقسم المائة الدين اثني عشر جزءا فعلى غير العافي أحد عشر جزءا ; لأن له خمسمائة من الدية ونصف المائة التركة ، وللذي عفا نصف المائة عليه فيها نصف سدس الدين ، وذلك ثمانية وثلث ويبقى له أحد وأربعون وثلث ، وللآخر بعد الدين بسبب الدية والميراث أربعمائة وثمانية وخمسون وثلث .

                                                                                                                قال سحنون : ولو ترك مدبرا عتق في جميع هذا المال حتى يبلغ الثلث بعد الدين ، ولو عفيا ولا مال للميت فلا مقال للغرماء ونفذ إلا في الخطأ يمتنع حتى يأخذ الغرماء دينهم من الدية ، ولا يجوز عفو المقتول في الخطأ إلا في الثلث ، ويجوز في العمد ; لأنه قصاص لا مال ، ويجوز عفو وارث المديان في العمد ، ولا يجوز عفو وارث آخر مديان لسقوط الدم بالأول وتعينه مالا ، وغرماء الثاني أحق إلا أن يكون الميت مديانا ، ولو لم يعف بعد عفو الأول أحد لكان غرماء المقتول أحق بما بقي من الدية ، وللميت مال آخر يوفي دينه قضي دينه منه ومن بقية الدية بالحصاص .

                                                                                                                فلو ترك ألفا وعليه دين وعفا أحدهما في العمد وأخذ غير العافي نصف الدية ستة آلاف تضم إلى الألف التركة ويقضى الدين على ذلك كله ، فما وقع على الألف التي ترك خرج منها ، وباقيها بينهما ، ويرجع ذلك إلى أن يخرج الدين من الجملة ويقسم ما بقي بين الاثنين على أربعة عشر ، للعافي سهم والباقي للآخر ، ولو أن الدين ثلاثة آلاف وخمسمائة وأوصى بألف فنصف السبعة آلاف في الدين ، فيصير على الألف التركة نصفها ، ونصف الباقي فيه الوصايا في ثلثه ; لأن الوصية لا تدخل إلا فيما علم الميت ، فيأخذ الموصى له ثلث [ ص: 225 ] الخمسمائة ، وبقية المال كله بين الولدين على عشرين ، للعافي جزء وهو نصف العشر ، ولغير العافي تسعة عشر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : ولو ترك عبدا يسوي ألفا وعليه ألف فباعه القاضي وقضى دينه ، ثم عفا أحدهما وأخذ الآخر ستة آلاف درهم نصف الدية ، رجع أخوه عليه بنصف تسعها : أربعمائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم ، ولو لم يقم الغريم حتى قبض الابن الستة آلاف فأخذ منه الغريم ، فإن العبد بين الولدين نصفين ، والخمسة آلاف الباقية للأخ غير العافي ، ويرجع على العافي بنصف سبع الألف الدين : أحد وتسعون درهما وثلاثة أسباع درهم ، فإن وداها وإلا بيع من نصيبه من نصف العبد بقدر تلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : لو ترك ابنا وابنة وزوجة ودينا ألفا ومالا ألفا ، فعفا الابن عن الدم على الدية فإنه يدخل فيه الابنة والزوجة بالميراث ، والدين في الدية والمال وما بقي قسم على الفرائض .

                                                                                                                قال : لو عفا أحدهما ، ثم لحق دين اتبع به الذي لم يعف في نصف الدية دون العافي .

                                                                                                                قال : وهب المريض عبده وقيمته ألف ولا مال له غيره فقتل العبد المريض وله ابنان ، فهبته كالوصية قبضت أم لا . فللموصى له ثلث العبد ، فإن استحيوا العبد على أن يكون لهم فضت الدية على العبد ، فثلثا الدية على ثلثي الورثة فيسقط ذلك ، وثلث الدية على ثلث العبد ، فيخير الموهوب له في فدائه بثلث الدية أو يسلمه ، فإن أجازوا الوجية صار العبد للموهوب له والدية في رقبته ، فإما يفديه [ ص: 226 ] بها أو يسلمه للورثة ، فإن عفوا على غير دية وقد أجازوا الوصية فالعبد للموهوب له ، وإن عفوا على غير دية وأبوا من إجازة الوصية فثلث العبد للموصى له ، وثلثاه للورثة ، وإن عفا أحد الابنين على الدية فكما تقدم أو أحدهما على غير دية فلغير العافي شطر الدية في رقبة العبد ، فإن أجازوا الوصية فهي للموهوب له في فداء نصفه من غير العافي بنصف الدية أو يسلمه عليه ، فإن فدى نصفه بنصف الدية لم يكن لغير العافي من نصف الدية المأخوذ شيء ، وإن منعوا الوصية فالعبد بينهم أثلاثا ، وإن عفا أحدهما على الدية سقط على العبد ثلثا الدية ، ويفتك الموهوب ثلثه بثلثها ، فيكون هذا الثلث بين الابنين شطرين . وإن عفا أحدهما على غير دية وجب لغير العافي شطر الدية في العبد ، وله من العبد ثلث الدية ، ويسقط عن ثلثه نصف ثلث الدية وهو السدس ، فيخير الموهوب له في فداء ثلث العبد بثلث النصف سدس الدية في قول المغيرة ، وعند ابن القاسم في إسلام نصف ثلث العبد الدية أو يفتكه بها فيكون ذلك لغير العافي ، فإن أسلمه إليه لم يكن للعافي شيء ، وكذلك يخير العافي فيما صار له من العبد ميراثا أن يفديه بسدس الدية التي لأخيه غير العافي ، أو يسلمه على ما تقدم من الخلاف . وإن أجاز العافي الوصية وعفا عن غير دية وامتنع الآخر من الإجازة صار للموهوب ثلثا العبد وثلث للأخ غير العافي ، ولغير العافي شطر الدية في رقبة العبد ، ويسقط من ذلك ثلث النصف : سدس الدية ، ويخير الموهوب له في فداء ما صار له ، وإسلامه على الخلاف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا قتل عمدا وترك مائة دينار ودينا مائة ووصايا ، فعفي على الدية فالدين في المائة ، والدية للورثة وتبطل الوصايا . ولو ترك مائة دينا ومدبرا قيمته مائة . قال محمد : للعافي نصف سدس أربعمائة من نصف الدية ; لأن المدبر يخرج ويأخذ المديان مائة وتبقى أربعمائة تقسم بينهما على ما كان لكل واحد من أصل المال لو لم يكن دين ولا مدبر ، وهو ستمائة : منها خمسمائة لغير العافي ونصف المائة التي تركها الميت ، ونصفها لأخيه ، وعلى القول الآخر : تقسم الأربعمائة على سبعة عشر سهما ، للعافي سهم والباقي لأخيه .

                                                                                                                [ ص: 227 ] فرع

                                                                                                                قال في الموازية : إذا مات عن زوجة وأخ ولها عليه مائة ، وترك خمسين ومائة فأقرت لفلان " مائة " على زوجها ; فينوبها منها سبعة وثلاثون دينارا ونصف ; لأن إقرارها يلزم أخاه وتبقى له عند الأخ سبعة وثلاثون ونصف ; لأن الذي لها بالحصاص خمسة وسبعون فتحبسها وقد أخذت مائة بالدين واثني عشر ونصفا بالميراث ، فتعطي لمن أقرت له مما بيدها ما زاد على خمسة وسبعين ، وهو ما ذكرته وتحسب على الذي أقرت ما ورث الأخ ، فإن طرأ غريم آخر بمائة ببينة دخل مدخل الذي أقرت له بل أولى منه ; لأنه ببينة ، فأخذ مما بيده ويحسب على الطارئ ما ورث الأخ وهو بقية حقه ، ويأخذ المقر له من المقرة وحدها خمسة وعشرين ; لأنها ليس لها في الحصاص الآن إلا خمسون ، وللمقر له خمسون فتدفع له خمسة وعشرين ، وفي يد الطارئ صاحب البينة ما فضل وما حسب عليه عند الأخ خمسة وسبعون ، للمقر له خمسة وعشرون ، فإن لم يكن للمرأة بينة بل أخذت بإقرار الميت أخذ صاحب البينة المائة ، والمرأة خمسين ، وسقط الذي أقرت له المرأة ; لأنها إنما بيدها ما يجب لها في الحصاص ، وجميع حق المقر له عند صاحب البينة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال الأبهري قال مالك : إذا لم يعلم كم دين الميت ولا ماله ، فلبعض الورثة التحمل بالدين ويحل بينه وبين المال ، فإن فضل شيء فللورثة أو نقص فعليه إن كان نقدا ، وإن كان الفضل والنقصان عليه ويكون غير معجل امتنع ، وقيل : يجوز التأخير ; لأنه إذا التزم النقص فقط فهو معروف مع الورثة كالقرض في النقدين والطعام إلى أجل . أما إذا كان الفضل له فيكون إنما أخرهم للانتفاع مدة التأخير فهو قرض للمنفعة ، ووجه الجواز أن الدين ليس في ذمة الورثة ، وإنما يمتنع ذلك بين الغريم وصاحب الدين ، ولو كان الوارث واحدا جازت حالته بالدين ، وليس قرضا للنفع ; لأن للوارث أن يوفي الدين من غير التركة فله شبهة ملك في التركة فلم يقرض للغرماء شيئا .

                                                                                                                [ ص: 228 ] فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : إذا كان للميت شاهد فحلف الغرماء وأخذوا لا يحلف الورثة على الفضل لتركهم الأيمان أولا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : إذا بادر الابن فأحبل أمة أبيه الميت مراغمة للغرماء بيعت لهم ، وعليه قيمة الولد لتعديه في الوطء ، وله في الولد شبهة أن له قضاء دين أبيه من غير ثمن الجارية ، وإن لم يعلم فعليه قيمتها للغرماء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : إذا تحمل الابن بدين أبيه ودفع المال في الدين ، ثم طرأ غريم فقال : لم أعلم بهذا أخذ دينه من الابن لرضاه بذلك بالحمالة ، وضمان المجهول عندنا لازم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : إذا كان الدين مائة والتركة ألفا فباع الوارث بعض التركة اعتمادا على سعتها فسخ بيعه لتوقع هلاك بقية المال وحوالة الأسواق ولتقدم الدين على الميراث فيقدم على تصرفه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية