الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 68 ] الباب الثالث

                                                                                                                في التنازع

                                                                                                                وهو إما بينهما ، أو بين أجنبي وبينهما ، فهذه فصلان .

                                                                                                                3 الفصل الأول

                                                                                                                في التنازع بينهما

                                                                                                                وفيه ثلاثة عشر فرعا :

                                                                                                                الأول : في الجواهر : أصل المتفاوضين أن ما بأيديهما على ما شهدت به البينة من الأجزاء ، فإن لم تعين جزءا حمل على النصف ; لأن الأصل عدم الاختصاص .

                                                                                                                الثاني : في الجواهر : لكل واحد البيع بالدين ، والابتياع ما لم يحظر الآخر عليه .

                                                                                                                الثالث : ( ما ) بيده متاع من متاع التجارة ; لأنه من متاعها . ولو قال : فلان شريكي ثم قال : حدثت لي هذه الدار صدق مع يمينه لصدق الاسم بدونها . وإن قال : في كل التجارة ، وقال الآخر ، بل فيما في يديك دون ما في يدي صدق مع يمينه ; لأن الأصل اختصاصه بملك ما في يديه . وإن قال : في حانوت في يديه فلان شريكي فيما فيه ثم أدخل فيه عدلين ، وقال : ليسا من الشركة ، وقال الآخر قد كانا في الحانوت يوم إقراره صدق هذا ; لأن الإقرار مستصحب على ما في الحانوت إلا أن تشهد بينة بخلافه . وعن أشهب يصدق الأول ; لأن الأصل عدم تناول الإقرار له .

                                                                                                                [ ص: 69 ] الرابع : في الكتاب : إن ادعى شراء سلعة ثم ضياعها صدق ; لأنه أمين .

                                                                                                                الخامس . قال : إذا جحد أحد المفاوضين المال ، وأقام الآخر بينة ، فهلك المال بيد الجاحد في الخصومة ضمن حصة الآخر ; لأنه غاصب بمنعه .

                                                                                                                السادس : قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إذا قدم شريك ، بيده أموال ، يقول : هي ودائع ، أو هي عروض ، فقال : دفعت لي لأبيعها ، فقلت له اذكر اسم أربابها ، فإن سماهم ، وحلفوا أخذوا ، وإن نكلوا أخذوا نصيب المقر وحده مواخذة له بإقراره ، وإن لم يسم ، فذلك بينكما . قال بعض القرويين : ظاهر قوله أنه يحتاج إلى عدالة المقر ; لأنه جعله شاهدا ، وينبغي قبول إقراره لمن لا يتهم عليه ، ويحتمل التحليف استبراء . وعن مالك إذا قال عند المحاسبة : جعلت في مال الشركة مالا يحلف شريكه على البت : ما له فيه شيء ، ولا جعل فيه شيئا ، والمال بينهما ; لأن الأصل استصحاب المفاوضة على جميع ما بيده .

                                                                                                                السابع : قال : قال ابن القاسم : إذا ادعى المفاضلة ، فقال : لك الثلث ، ولي الثلثان ، وقلت النصف ، وليس المال بيد أحدكما دون الآخر له النصف ; لأنك سلمته ، ولك الثلث ; لأنه سلمه ، وتقتسمان السدس نصفين لوقوع التنازع فيه . وقال أشهب : المال بينهما نصفان بعد أيمانهما ; لأنه ظاهر المفاوضة . وكذلك لو كانوا ثلاثة ، فادعى الثالث الثلث يقسم بينهم المال أثلاثا عنده لتساويهم في الحيازة ، والأيمان ، وإنما اختلفت الدعاوي . قال محمد : فلو ادعى أحدهم الثلثين ، وقال : لكما الثلث ، وقال الآخر : لي النصف ، ولكما النصف ، وقال الآخر : لكل واحد منا الثلث يضرب كل واحد بحصة دعواه فيقسم المال على تسعة ، لمدعي الثلثين أربعة ، ولمدعي النصف ثلاثة ، ولمدعي الثلث اثنان . والذي يجري على أصل ابن القاسم أن يسلم صاحب النصف ، وصاحب الثلث السدس لصاحب الثلثين لعدم المنازعة فيه ، وتبقى خمسة أسداس ادعى صاحب الثلثين ثلاثة أسداس ، وصاحب النصف وصاحب الثلث يدعيان الجميع ، فتقسم هذه الخمسة الأسداس نصفين ، لصاحب الثلثين سهمان [ ص: 70 ] ونصف سدس ، وذلك عشرة أسهم من أربعة وعشرين ، ويبقى من المال أربعة عشر سهما يدعي صاحب النصف أن له منها اثني عشر التي هي نصف جميع المال ، وأن السهمين الباقيين لا شيء فيهما له فيدفعان لصاحب الثلث ، ويدعي صاحب الثلث أن له من الأربعة عشر ثمانية التي هي ثلث جميع المال ، وأن الستة الباقية لصاحب النصف لا شيء له فيها ، فتدفع الستة لصاحب النصف ، فتبقى ستة يدعيها صاحب الثلث مع الاثنين التي بيده ، ويدعيها صاحب النصف مع الستة التي سلمها له صاحب الثلث ، فكل واحد منهما يدعي هذه الستة ، فتقسم بينهما نصفين يحصل لمدعي النصف تسعة أسهم ، ولمدعي الثلث خمسة أسهم ، ولمدعي الثلثين عشرة أسهم ، فذلك أربعة وعشرون سهما .

                                                                                                                فلو ادعى أحدهم جميع المال ، والآخر النصف ، والآخر الثلث . قال محمد : يسلم مدعي الثلث ، ومدعي النصف السدس لصاحب الكل ثم صار الكل يدعي الخمسة الباقية ، والآخران يدعيانها ، فتقسم بينهم نصفين لصاحب الكل عشرة قراريط ، وللآخرين عشرة قراريط ، وصاحب الثلث لا يدعي في هذه العشرة إلا ثمانية ، فسلم اثنين لصاحب النصف ثم تقسم الثمانية بين الآخرين نصفين لتساوي دعواهما .

                                                                                                                وإن شئت قلت سلم مدعي الثلث لصاحب الكل الثلثين ثم نازع الآخر في الثلث فيقسم بينهما نصفين ثم يقول صاحب النصف سلم لي ما زاد على النصف ، وهو الثلث لأخذ السدس . وقال عبد الوهاب : يقسم المال بينهم على ستة وثلاثين ، لمدعي الكل خمسة وعشرون ، ولمدعي النصف سبعة أسهم ، ولمدعي الثلث أربعة أسهم ; لأن مدعي النصف والثلث أقرا بتسليم النصف لصاحب الكل ، وأقر صاحب الثلث بتسليم السدس فيتداعياه مدعي الكل ومدعي النصف ، فيقسم بينهما نصفين فيصير لمدعي الكل سبعة من اثني عشر ، ولمدعي النصف سهم ثم يقسم الثلث بالسوية فيكون لكل واحد سهم وثلث فيصير لمدعي الكل ثمانية وثلث ، ولمدعي النصف سهمان وثلث ، ولمدعي الثلث سهم وثلث ، فتضرب الاثني عشر في [ ص: 71 ] مخرج الثلث لتسلم السهام ، فتكون ستة وثلاثين . وطريق محمد أبين ; لأن مدعي النصف ، ومدعي الثلث لا يسلمان لمدعي الكل إلا السدس .

                                                                                                                وقال ابن ميسر : لصاحب الكل ستة أسهم ، ولصاحب النصف ثلاثة ، ولصاحب الثلث سهمان ، فيقسم المال بينهم على أحد عشر سهما ، وهو أعدل الأقوال ، وهو على عول الفرائض والوصايا كمن أوصى لرجل بماله ، ولآخر ببعض ماله ، ولآخر بثلثه ، فالثلث بينهم على أحد عشر سهما باتفاق ، فكذلك هاهنا .

                                                                                                                الثامن . قال سحنون : إذا قال : فلان شريكي ، ولم يقل : في جميع المال ، ولا مفاوض ، فإن خصص مالا في الإقرار ، وكان كلاما يستدل به على شيء اتبع ذلك ، وإلا شركه في جميع المال ; لأن ظاهر الشركة التساوي .

                                                                                                                التاسع . قال : إذا قال : شركك في هذه السلعة ، ولم يسم ثم اختلفا بعد الخسارة ، فالمشتري مدع ، ويصدق الآخر مع يمينه ; لأنه مدعى عليه الخسارة إلا أن يأتي بما لا يعرف . وإن ربحا فيها ، فقال المشتري : أشركتك بالسدس ، وقال الآخر : بالنصف صدق المشتري مع يمينه ; لأن الآخر مدع نقل مال الآخر إليه . قاله مالك . فإن قالا لم ننو شيئا . قال ابن القاسم : فنصفان . فإن كانت السلعة قائمة . قال ابن القاسم : صدق المشتري فيما يدعيه ; لأن الأصل عدم انتقال ملكه . وفي الواضحة : إن سأله من يلزمه أن يشركه صدق مدعي النصف كانت قائمة ، أو فائتة بزيادة ، أو خسران . فإن كان لا يلزمه إشراكه ، فكما تقدم يصدق مدعي الأقل . والفرق بينهما أن العهدة في الأولى على البائع ، وفي الثانية على المشتري .

                                                                                                                العاشر . قال : إذا أراد شراء سلعة للتجارة فوقف آخر ساكتا ، فلما وجب البيع طلب الدخول معه ، فأبى . قال مالك وابن القاسم ، وأشهب : إن كان شراؤه للبعض أجبر على الشركة بخلاف من اشترى بمنزله ، أو ليخرج بها إلى بلد آخر لئلا يفسد الناس بعضهم على بعض إذا لم يقض بهذا . قال ابن حبيب : إنما قال [ ص: 72 ] مالك في تجار أهل تلك السلعة ، وأهل سوقها كان مشتريها من أهل التجارة ، أو من غيرهم إذا اشتراها للتجارة ، وقد قضى عمر بذلك .

                                                                                                                الحادي عشر . قال : إذا سئل الشركة عند البيع ، وسكت لا يحتج عليه بسكوته ، ويصدق ، ولو قال : لا أفعل ، فسكتوا ، وقالوا أردنا بسكوتنا تخفيض السعر لا ينفعهم ذلك . قال أصبغ : ومتى يستدل على كذبه بكثرة تلك السلعة ، وأن مثلها تشترى للتجارة ؛ قبل قول من ادعى أنها للتجارة دون القنية .

                                                                                                                الثاني عشر . قال : قال سحنون : لكما سفينة تريد حمل متاعك ، وليس لصاحبك ما يحمله ، فلك الحمل ، ولا يقضى له بكراء ، ولو طلبه ، بل يحمل مثل ما حملته ، وإلا بيع المركب عليكما ; لأن مقتضى الشركة الانتفاع بالعين المشتركة لا لزوم كراء .

                                                                                                                الثالث عشر . قال : ضاع المال مني ثم قال : دفعته للشريك ثم ( قال ) : إن ما دفعته من مالي بعد الضياع . قال ابن القاسم : لا يصدق ، وأراه ضامنا ; لأن اضطرابه تهمة . ولو قال له شركاؤه : أعطنا ثمن ما بعت ، فقال : هو في كمي ، فذهب ثم أتى ، فقال : قطع من كمي . قال ابن القاسم : يضمن إذا سألوه ، فلم يعطهم ; لأنه فرط .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية