الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( لا إن عسر الاحتراز منه أو كان طعاما )

                                                                                                                            ش : يعني أن الحيوان الذي لا يتوقى النجاسة إذا عسر الاحتراز منه كالهر والفأرة فإنه لا يكره استعمال سؤره من الماء لمشقة الاحتراز منه ولما ورد في الهرة عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { الهرة ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات } هكذا رواه مالك في الموطإ بأو في باب الطهور للوضوء ورواه الترمذي بلفظ إنما هي من الطوافين والطوافات بالواو وبحذف عليكم قال النووي : قال صاحب مطالع الأنوار : يحتمل أو أن تكون للشك أو للتقسيم قال النووي : والأظهر أنها للنوعين كما في روايات الواو وقال النووي أيضا : قال أهل اللغة الطوافون الخدم والمماليك وقيل هم الذين يخدمون برفق وعناية ومعنى الحديث أن الطوافين من الخدم والصغار الذين سقط في حقهم الحجاب والاستئذان في غير الأوقات الثلاثة التي ذكرها الله إنما سقط في حقهم دون غيرهم للضرورة وكثرة مداخلتهم بخلاف الأحرار البالغين فلذا يعفى عن الهرة للحاجة أشار إلى نحو هذا أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي .

                                                                                                                            وقال الخطابي : الحديث يتأول على وجهين : أحدهما أنه شبهها بخدم البيت ومن يطوف على أهله للخدمة ، والثاني شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة ومعناه الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والمسألة وهذا التأويل الثاني قد يأباه سياق قوله صلى الله عليه وسلم { أنها ليست بنجس } وكذلك يكره استعمال سؤر ما لا يتوقى النجاسة من الطعام مطلقا أي سواء عسر الاحتراز منه أم لا وكذلك سؤر شارب الخمر من الطعام وما أدخل يده فيه من الطعام فإنه لا يكره استعماله وما ذكره المصنف من التفرقة بين الماء والطعام هو المشهور وهو مذهب المدونة قال فيها : والطير [ ص: 78 ]

                                                                                                                            والأوز والدجاج المخلاة والسباع التي تصل إلى النتن إن شربت من طعام لبن أو غيره أكل إلا أن يكون في أفواهها وقت شربها أذى فلا يؤكل انتهى وفي المسألة ثلاثة أقوال : الأول الحمل على النجاسة في الماء والطعام فيراقان نظرا إلى الغالب ، والثاني الحمل على الطهارة فيها نظر إلى الأصل واختاره ابن رشد ، والثالث المشهور يطرح الماء دون الطعام قال ابن ناجي : قال ابن يونس عنها لاستجازة طرح الماء ومثله قول ابن الحاجب لاستجازة طرح الماء قال في التوضيح أي لأن الماء يستجاز طرحه على النفوس وقال ابن فرحون : ومعنى استجازة الطرح أن الماء ليس له حرمة كحرمة الطعام فيجوز طرحه على الأرض انتهى ، وقال صاحب الجمع : ظاهره جواز طرحه لغير سبب وظاهر كلام أبي محمد أنه ممنوع لقوله : والسرف فيه غلو وبدعة فيحتمل أن يكون الجواز مقيدا بما حصل فيه شبهة كشرب ما عادته استعمال النجاسة منه والمنع لغير سبب انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن ناجي في شرح المدونة : الصواب أنه لا معارضة بينهما وإنما كان السرف فيه بدعة فيما ذكر الشيخ أبو محمد لأنه إسراف في عبادة جاء من الشرع التقليل في ذلك أما إراقة الماء لا في عبادة الطهارة فإنه جائز اختيارا والله أعلم . وإليه كان يذهب شيخنا أبو الفضل أبو القاسم البرزلي وقال النووي : أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو على شاطئ البحر والأظهر أنه مكروه كراهة تنزيه وقال بعض أصحابنا : الإسراف حرام انتهى . وسيأتي الكلام على ذلك عند قول المصنف وقلة ماء بلا حد .

                                                                                                                            ( فائدة ) أنكر بعضهم ما ورد في حديث { الهرة أنها من الطوافين عليكم والطوافات } وقال : لم يخرجه أحد من أهل الصحة وليس كذلك بل أخرجه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية