الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( وإذا حضر إمام ) أو أميره ( حصنا لزمه ) فعل ( الأصلح ) في نظره واجتهاده ( من مصابرته ) أي الحصن أي الصبر حتى يفتح الله عليه ( و ) من ( موادعته بمال و ) من ( هدنة ) بلا مال ( بشرطها ) المعلوم من بابها نصا ( ويجبان ) أي الموادعة بمال والهدنة بغيره ( إن سألوهما ) أي أهل الحصن ( وثم مصلحة ) لحصول الغرض من إعلاء كلمة الإسلام وصغار الكفرة . وله أيضا الانصراف بدونه إن رآه لضرر أو إياس منه .

                                                                          ( وإن قالوا ) أي أهل الحصن للمسلمين ( ارحلوا عنا وإلا قتلنا أسراكم ) عندنا ( فليرحلوا ) وجوبا ، لئلا يلقوا بأسرى المسلمين للهلاك ( ويحرز من أسلم منهم ) أي أهل الحصن قبل استيلائنا عليه ( دمه وماله حيث كان ) في الحصن أو خارجه . لحديث " أمرت أن أقاتل الناس . . " الخبر ( ولو ) كان ماله ( منفعة إجارة ) لأنها داخلة فيه ( و ) يحرز من أسلم منهم ( أولاده [ ص: 629 ] الصغار وحمل امرأته ) للحكم بإسلامهم تبعا له . و ( لا ) يحرز امرأته ( وهي ) لأنها لا تتبعه في الإسلام ويجوز استرقاقها كغيرها ( ولا ينفسخ نكاحه ) أي الزوج المسلم ( برقها ) أي الزوجة ; لأن منفعة النكاح لا تجري مجرى الأموال . بدليل عدم ضمانها باليد وعدم أخذ العوض عنها .

                                                                          ( وإن نزلوا ) أي أهل الحصن ( على حكم ) رجل ( مسلم حر مكلف عدل مجتهد في الجهاد ) وإن لم يكن مجتهدا في كل الأحكام ( ولو ) كان ( أعمى ) جاز ، لأن المقصود رأيه ومعرفة المصلحة به بخلاف القضاء ( أو ) كان المنزول على حكمه ( متعددا ) كرجلين فأكثر ( جاز ) ويكون الحكم فيهم ما اجتمعا أو اجتمعوا عليه ( ويلزمه ) أي المنزول على حكمه ( الحكم بالأحظ لنا ) من قتل أو رق أو من فداء ( ويلزم ) حكمه ( حتى بمن ) عليهم كالإمام . ولما حاصر صلى الله عليه وسلم بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ . فأجابهم لذلك . فحكم فيهم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم .

                                                                          ( وليس للإمام قتل من ) حكم منزول على حكمه ( برقه ) لأن القتل أشد من الرق . وفيه إتلاف القيمة على الغانمين ( ولا ) للإمام ( رق من حكم ) منزول على حكمه ( بقتله ) لأنه قد يكون ممن يخاف ببقائه نكاية المسلمين ودخول الضرر عليهم ( ولا ) للإمام ( رق ولا قتل من حكم ) من نزلوا على حكمه ( بفدائه ) لأنها أشد منه . فلا يجاوز الأخف مما حكم به إلى الأثقل ; لأنه نقض للحكم بعد لزومه ( وله ) أي الإمام ( المن مطلقا ) أي على من حكم بقتله أو برقه أو فدائه ; لأنه أخف من الثلاثة . فإذا رآه الإمام مصلحة جاز له فعل ; لأن نظره أتم ( و ) للإمام ( قبول فداء ممن حكم ) منزول على حكمه ( بقتله أو رقه ) لأنه أخف منهما . وهو نقض للحكم برضا محكوم له . وذلك حق للإمام . فإذا رضي بتركه إلى غيره جاز له .

                                                                          ( وإن أسلم من حكم ) من نزلوا على حكمه ( بقتله أو سبيه ) أي رقه ( عصم دمه فقط ) دون ماله وذريته . لأنهما صارا بالحكم بقتله ملكا للمسلمين . فلا يعودان إليه بإسلامه . وأما دمه فأحرزه بإسلامه ( ولا يسترق ) لأنه أسلم قبله . فلم يحز ، كما لو أسلم قبل قدرة عليه ( وإن سألوا ) أي أهل الحصن الأمير ( أن ينزلهم على حكم الله تعالى لزمه أن ينزلهم ، ويخير فيهم كأسرى ) لأنه حكم الله تعالى ، والنهي عنه أجاب عنه النووي في شرح مسلم بأنه لاحتمال نزول وحي بما يخالف ما حكم به . وقد أمن ذلك بموته صلى الله عليه وسلم ( ولو كان به ) أي الحصن ( من لا جزية عليه ) كامرأة وخنثى ( فبذلها لعقد الذمة [ ص: 630 ] عقدت ) له أي الذمة بمعنى الأمان ( مجانا : وحرم رقه ) لتأمينه وإن لم يجب به مال

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية