الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أصحاب الحولين : قال الله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ البقرة : 233 ] ، قالوا : فجعل تمام الرضاعة حولين ، فدل على أنه لا حكم لما بعدهما ، فلا يتعلق به التحريم . قالوا : وهذه المدة هي مدة المجاعة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقصر الرضاعة المحرمة عليها . قالوا : وهذه مدة الثدي الذي قال فيها : لا رضاع إلا ما كان في الثدي ، أي في زمن الثدي ، وهذه لغة معروفة عند العرب ، فإن العرب يقولون : فلان مات في الثدي ، أي في زمن الرضاع قبل الفطام ، ومنه الحديث المشهور : إن إبراهيم مات في الثدي وإن له مرضعا في الجنة تتم رضاعه . يعني إبراهيم ابنه صلوات الله وسلامه عليه . قالوا : وأكد ذلك بقوله : لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان في الثدي قبل الفطام ، فهذه ثلاثة أوصاف للرضاع المحرم ، ومعلوم أن رضاع الشيخ الكبير عار من الثلاثة .

[ ص: 516 ] قالوا : وأصرح من هذا حديث ابن عباس : لا رضاع إلا ما كان في الحولين .

قالوا : وأكده أيضا حديث ابن مسعود : لا يحرم من الرضاعة إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم ، ورضاع الكبير لا ينبت لحما ، ولا ينشز عظما .

قالوا : ولو كان رضاع الكبير محرما لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة - وقد تغير وجهه ، وكره دخول أخيها من الرضاعة عليها لما رآه كبيرا : - " انظرن من إخوانكن " فلو حرم رضاع الكبير لم يكن فرق بينه وبين الصغير ، ولما كره ذلك وقال : انظرن من إخوانكن ثم قال : فإنما الرضاعة من المجاعة وتحت هذا من المعنى خشية أن يكون قد ارتضع في غير زمن الرضاع وهو زمن المجاعة ، فلا ينشر الحرمة ، فلا يكون أخا .

قالوا : وأما حديث سهلة في رضاع سالم ، فهذا كان في أول الهجرة ؛ لأن قصته كانت عقيب نزول قوله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم ) [ الأحزاب : 5 ] ، وهي نزلت في أول الهجرة .

وأما أحاديث اشتراط الصغر ، وأن يكون في الثدي قبل الفطام ، فهي من رواية ابن عباس ، وأبي هريرة ، وابن عباس إنما قدم المدينة قبل الفتح ، وأبو هريرة إنما أسلم عام فتح خيبر بلا شك ، كلاهما قدم المدينة بعد قصة سالم في رضاعه من امرأة أبي حذيفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية