الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن ) ( تيقن طهرا أو حدثا وشك في ضده ) ( عمل بيقينه ) إذ اليقين لا يرفع بالشك لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا } رواه مسلم ، والمراد بالشك هنا وفي معظم أبواب الفقه مطلق التردد سواء كان على السواء أم أحد طرفيه أرجح ، قاله في الدقائق ووقع للرافعي أنه يرفع يقين الحدث بظن الطهارة .

                                                                                                                            قال ابن الرفعة : ولم أره لغيره ، وقد أسقطه من الروضة .

                                                                                                                            وأجيب عنه بأن معناه أن الماء المظنون طهارته بالاجتهاد يرفع به يقين الحدث ، وأحسن منه أن يقال : كلامه محمول على ما إذا تطهر بعد يقين الحدث وشك بعد طهارته في ترك عضو من أعضاء الطهارة فإنه لا يقدح فيها ، وقد رفعنا هنا يقين الحدث بظن الطهارة ( فلو تيقنهما وجهل السابق منهما فضد ما قبلهما في الأصح ) صورة المسألة أن يتيقن أنه أوقع طهرا وحدثا بعد طلوع الشمس مثلا ، ويجهل السابق منهما فيؤمر بالتذكر لما كان عليه قبلها فإن كان قبلها محدثا فهو الآن متطهر ; لأنا تيقنا رفع الحدث الواقع قبلها بالطهر الواقع بعدها وشككنا في رافعه ، والأصل عدمه وإن كان قبلها متطهرا ، وهو ممن يعتاد التجديد أخذ بالضد فيكون الآن محدثا ، وإن كان ممن لا يعتاده أخذ بالمثل فيكون متطهرا ; لأنا تيقنا توسط الحدث بين الطهرين ، فإن لم يتذكر شيئا فالوضوء إن اعتاد التجديد وإلا [ ص: 129 ] فمتطهر بكل حال ، وتثبت عادة التجديد ولو بمرة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى . والوجه الثاني لا ينظر إلى ما قبلهما فيلزمه الوضوء بكل حال احتياطا . قال في الروضة : وهو الصحيح عند جماعة من محققي أصحابنا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : عمل بيقينه ) أي جاز له العمل به ومع ذلك يسن له الوضوء . واستشكله حج وأجاب عنه فراجعه ، ومن ذلك ما لو أخبره عدل بأن امرأة لمسته فلا نقض بذلك ولو كانت على هيئة النساء ، بل ولو قال المخبر أنا أعلم أنوثتها ; لأن خبر العدل إنما يفيد الظن ( قوله : فلا يخرجن من المسجد ) أي الصلاة ( قوله : وفي معظم أبواب الفقه ) أشار بقوله معظم أبواب الفقه إلى أنهم فرقوا بينهما في أبواب : منها باب الإيلاء وحياة الحيوان المستقرة والقضاء بالعلم والأكل من أموال الغير ، وفي وجوب ركوب البحر للحج وفي المرض المخوف وفي وقوع الطلاق ( قوله : فإن لم يتذكر شيئا فالوضوء ) أي فالواجب الوضوء .

                                                                                                                            بقي ما لو علم قبلهما حدثا وطهرا وجهل أسبقهما فينظر ما قبلهما ، فإن تذكر طهرا فقط أو حدثا كذلك أخذ بمثله أو ضده على ما مر بيانه ، فإن تيقنهما فيه أيضا وجهل أسبقهما أخذ بضد ما قبلهما إن ذكر أحدهما فيه ، وهكذا يأخذ في الوتر الذي يقع فيه الاشتباه بضده إذا ذكره في الوتر ، ويأخذ [ ص: 129 ] في الشفع الذي فيه الاشتباه بمثل الفرد الذي قبله مع اعتبار عادة تجديده وعدمها ، فإذا تيقنهما بعد الفجر وقبله وقبل العشاء وعلم أنه قبل المغرب محدث أخذ في الوتر وهو ما قبل العشاء إذ هو أول أوقات الاشتباه بضد الحدث فيكون فيه متطهرا ، وفي الشفع وهو ما قبل الفجر ; لأنه ثانيها بمثله فيكون فيه محدثا إن اعتاد تجديدا ، وحينئذ يكون فيما بعد الفجر متطهرا ، فإن لم يعتده كان متطهرا فيما قبل الفجر وفيما بعده ، وإن علم أنه قبل المغرب كان متطهرا أخذ في الوتر وهو ما قبل العشاء بضده فيكون محدثا إن اعتاد ، وحينئذ يكون فيما قبل الفجر متطهرا وفيما بعده محدثا ، فإن لم يعتد كان قبل العشاء متطهرا وكذا قبل الفجر وكذا بعده ، إذ الظاهر تأخر طهره عن حدث في الجميع . وعلم مما تقرر أن الأخذ بالضد تارة وبالمثل أخرى إنما هو فيما إذا علم الحدث دون ما إذا علم الطهر وهو لا يعتاد التجديد فإنه يأخذ بالمثل في المراتب كلها قاله الشارح في شرح العباب .




                                                                                                                            الخدمات العلمية