الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( ويبدأ في قسم بدفع سلب ) إلى مستحقه [ ص: 642 ] وبرد مال مسلم ومعاهد إن كان وعرف ( ثم بأجرة جمع ) غنيمة ( وحمل ) ها ( وحفظ ) ها ; لأنه من مؤنتها كعلف دوابها ( و ) دفع ( جعل من دل على مصلحة ) من ماء أو قلعة ، أو ثغرة يدخل منها إلى حصن ونحوه لأنه في معنى السلب . قاله في الشرح . قلت : هذا من النفل ، فحقه أن يكون بعد الخمس كما يعلم مما تقدم ، ويأتي ( ثم يخمس الباقي ) على خمسة أسهم ( ثم ) يخمس ( خمسه على خمسة أسهم ) منها ( سهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم مصرفه كالفيء ) في مصالح المسلمين كلها .

                                                                          ( وكان ) صلى الله عليه وسلم ( قد خص ) بالبناء للمفعول ( من المغنم بالصفي ، وهو ) أي الصفي ( ما يختاره صلى الله عليه وسلم قبل قسمة ) غنيمة منها ( كجارية وثوب وسيف ) لحديث أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى بني زهير بن قيس : إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم الصفي إنكم آمنون بأمان الله ورسوله } .

                                                                          وفي حديث وفد عبد القيس رواه ابن عباس { وأن تعطوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي } وقالت عائشة : " كانت صفية من الصفي " رواه أبو داود ، وانقطع ذلك بموته صلى الله عليه وسلم لأن الخلفاء الراشدين لم يأخذوه ولا من بعدهم ولا يجمعون إلا على الحق ( وسهم لذوي القربى ، وهم بنو هاشم وبنو المطلب ) ابني عبد مناف دون غيرهم من بني عبد مناف .

                                                                          لحديث جبير بن مطعم قال { لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب ، أتيت أنا وعثمان بن عفان فقلنا : يا رسول الله ، أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال : إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ، وشبك بين أصابعه } رواه أحمد والبخاري ، ولا يستحق منهم مولى لهم ، ولا من أمه منهم دون أبيه ( حيث كانوا ) أي بنو هاشم وبنو المطلب يقسم بينهم ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) لأنهم يستحقونه بالقرابة .

                                                                          أشبه الميراث والوصية ( غنيهم وفقيرهم فيه سواء ) لعموم قوله تعالى : { ولذي القربى } وكان صلى الله عليه وسلم يعطي أقاربه كلهم وفيهم الغني كالعباس ( وسهم لفقراء اليتامى . وهم ) أي اليتامى ( من لا أب له ) أي مات أبوه ( ولم يبلغ ) لحديث { لا يتم بعد الاحتلام } واعتبر فقرهم لأن الصرف إليهم لحاجتهم ولأن وجود المال أنفع من وجود الأب ، ويسوي فيه بين [ ص: 643 ] ذكورهم وإناثهم ( وسهم للمساكين ) أي أهل الحاجة فيدخل فيهم الفقراء ( وسهم لأبناء السبيل ، فيعطون ك ) ما يعطون من ( زكاة ) للآية ( بشرط إسلام الكل ) لأنه عطية من الله ، ولا حق لكافر فيه كزكاة ولا لقن .

                                                                          ( ويعم من بجميع البلاد ) من ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ( حسب الطاقة ) فيبعث الإمام إلى عماله بالأقاليم وينظر ما حصل من ذلك ، فإن استوت فرق كل خمس فيما قاربه ، إن اختلفت ; أمر بحمل الفضل ليدفع لمستحقه كميراث وإذا لم تأخذ بنو هاشم وبنو المطلب ) أسهمهم ( رد في كراع ) أي خيل ( و ) في ( سلاح ) عدة في سبيل الله ، لفعل أبي بكر وعمر ، ذكره أبو بكر ( ومن فيه ) ممن يستحق من الخمس ( سببان فأكثر ) كهاشمي ابن سبيل يتيم ( أخذ بها ) لأنها أسباب لأحكام ، فوجب ثبوت أحكامها كما لو انفردت .

                                                                          ( ثم ) يبدأ من الأربعة أخماس التي للغانمين ( بنفل ) بفتح الفاء ( وهو ) أي النفل ( الزائد على السهم لمصلحة ) لانفراد بعض الغانمين به ، فقدم قبل القسمة كالسلب ( ويرضخ ) وهو العطاء دون السهم لمن لا سهم له من الغنيمة . فيرضخ ( لمميز وقن وخنثى وامرأة على ما يراه ) الإمام أو نائبه ، فيفضل المقاتل وذا البأس ومن تسقي الماء وتداوي الجرحى على من ليس كذلك ( إلا أنه لا يبلغ به ) أي الرضخ ( لراجل سهم الراجل ولا لفارس سهم الفارس ) لئلا يساوي من يسهم له ( ولمبعض بالحساب من رضخ وإسهام ) كحد ودية ( وإن غزا قن على فرس سيده رضخ له ) أي القن ( وقسم لها ) أي الفرس تحته ، لأن سهمهما لمالكها . وكذا لو كان مع العبد فرس أخرى كما لو كانتا مع السيد ( إن لم يكن مع سيده فرسان ) لأنه لا يسهم لأكثر من فرسين على ما يأتي .

                                                                          وإن غزا صبي على فرس له أو امرأة على فرسها رضخ للفرس وراكبه بلا إسهام ; لأنه لمالك الفرس وليس من أهله ( ثم يقسم ) إمام ( الباقي ) بعد ما سبق ( بين من شهد الوقعة ) أي الحرب ( لقصد قتال ) قاتل أو لم يقاتل ، حتى تجار العسكر وأجراؤهم المستعدين للقتال . لما روي عن عمر أنه قال : { الغنيمة لمن شهد الوقعة } ولأن غير المقاتل رده للمقاتل .

                                                                          ويسهم لخياط وخباز وبيطار ونحوهم حضروا نصا ، بخلاف من لم يستعد للقتال من تجار وغيرهم لأنه لا نفع فيهم ( أو بعث في سرية أو ) بعث ( لمصلحة كرسول ودليل وجاسوس ولمن خلفه الأمير ببلاد العدو وغزا ولم يمر [ ص: 644 ] الأمير به فرجع ) لأنه في مصلحة الجيش والمسلمين ، وهو أولى بالإسهام ممن حضر الوقعة ولم يقاتل ( ولو مع منع غريم له أو منع أب ) له ، لتعين الجهاد عليه بحضور الصف و ( لا ) يسهم ( لمن لا يمكنه قتال ) لمرض ( ولا لدابة لا يمكنه ) قتال ( عليها لمرض ) كزمانة وشلل لخروجه عن أهلية الجهاد ، بخلاف حمى يسيرة وصداع ووجع ضرس ونحوه ، فيسهم له ; لأنه لم يخرج عن أهلية الجهاد و ( لا ) يسهم ( لمخذل ومرجف ونحوهما ) كرام بيننا بفتن ومكاتب بأخبارنا ، لأنه ممنوع من الدخول مع الجيش أشبه الفرس العجيف .

                                                                          ( ولو ترك ذلك ) أي التخذيل والإرجاف ونحوه ( وقاتل لا يرضخ له ) أي المخذل والمرجف ونحوهما لما تقدم و ( لا ) يسهم ولا يرضخ ( لمن نهاه الأمير أن يحضر ) فلم ينته لأنهم عصاة ( ولا كافر لم يستأذنه ) أي الإمام ( ولا عبد لم يأذن له سيده ) في غزو لعصيانهما ( ولا طفل ولا مجنون ) لأنهما لا يصلحان للقتال ( ولا من فر من اثنين ) كافرين لعصيانه ( ف ) يقسم ( للراجل ولو ) كان ( كافرا سهم . وللفارس على فرس عربي ويسمى العتيق ثلاثة ) أسهم ، سهم له وسهمان لفرسه ، لحديث ابن عمر : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم له } متفق عليه . وقال خالد الحذاء : لا يختلف فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه أسهم هكذا للفرس سهمين ولصاحبه سهما وللراجل سهما } ( و ) للفارس ( على فرس هجين وهو ما أبوه فقط عربي ، أو ) على فرس ( مقرف عكس الهجين ) وهو ما أمه فقط عربية ( أو ) على فرس ( برذون وهو ما أبواه نبطيان سهمان ) سهم له وسهم لفرسه . لحديث مكحول { أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الفرس العربي سهمين وأعطى الهجين سهما } رواه سعيد وعن عمر شبهه

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية