الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الترمذي : أن الربيع بنت معوذ اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة . قال الترمذي : حديث الربيع الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة . وأيضا ، فإن الاستبراء هو عدة الأمة ، وقد ثبت عن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس : لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة رواه أحمد وأبو داود .

فإن قيل : لا نسلم أن استبراء الأمة بالحيضة ، وإنما هو بالطهر الذي هو [ ص: 544 ] قبل الحيضة ، كذلك قال ابن عبد البر ، وقال : قولهم : إن استبراء الأمة حيضة بإجماع ليس كما ظنوا ، بل جائز لها عندنا أن تنكح إذا دخلت في الحيضة ، واستيقنت أن دمها دم حيض ، كذلك قال إسماعيل بن إسحاق ليحيى بن أكثم حين أدخل عليه في مناظرته إياه .

قلنا : هذا يرده قوله صلى الله عليه وسلم : لا توطأ الحامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة

وأيضا فالمقصود الأصلي من العدة إنما هو استبراء الرحم ، وإن كان لها فوائد أخر ، ولشرف الحرة المنكوحة وخطرها ، جعل العلم الدال على براءة رحمها ثلاثة أقراء ، فلو كان القرء : هو الطهر ، لم تحصل بالقرء الأول دلالة ، فإنه لو جامعها في الطهر ، ثم طلقها ، ثم حاضت كان ذلك قرءا محسوبا من الأقراء عند من يقول : الأقراء الأطهار . ومعلوم : أن هذا لم يدل على شيء ، وإنما الذي يدل على البراءة الحيض الحاصل بعد الطلاق ، ولو طلقها في طهر ، لم يصبها فيه ، فإنما يعلم هنا براءة الرحم بالحيض الموجود قبل الطلاق ، والعدة لا تكون قبل الطلاق ؛ لأنها حكمه ، والحكم لا يسبق سببه ، فإذا كان الطهر الموجود بعد الطلاق لا دلالة له على البراءة أصلا ، لم يجز إدخاله في العدد الدالة على براءة الرحم ، وكان مثله كمثل شاهد غير مقبول ، ولا يجوز تعليق الحكم بشهادة شاهد لا شهادة له ، يوضحه أن العدة في المنكوحات ، كالاستبراء في المملوكات .

وقد ثبت بصريح السنة أن الاستبراء بالحيض لا بالطهر ، فكذلك العدة إذ لا فرق بينهما إلا بتعدد العدة ، والاكتفاء بالاستبراء بقرء واحد ، وهذا لا يوجب اختلافهما في حقيقة القرء ، وإنما يختلفان في القدر المعتبر منهما ؛ ولهذا قال الشافعي في أصح القولين عنه : إن استبراء الأمة يكون بالحيض ، وفرق أصحابه بين البابين ، بأن العدة وجبت قضاء لحق الزوج ، فاختصت بأزمان حقه ، وهي أزمان الطهر ، وبأنها تتكرر ، فتعلم معها البراءة بتوسط [ ص: 545 ] الحيض بخلاف الاستبراء ، فإنه لا يتكرر ، والمقصود منه مجرد البراءة ، فاكتفي فيه بحيضة . وقال في القول الآخر : تستبرأ بطهر طردا لأصله في العدد ، وعلى هذا فهل تحتسب ببعض الطهر ؟ على وجهين لأصحابه ، فإذا احتسبت به ، فلا بد من ضم حيضة كاملة إليه . فإذا طعنت في الطهر الثاني ، حلت ، وإن لم تحتسب به ، فلا بد من ضم طهر كامل إليه ، ولا تحتسب ببعض الطهر عنده قرءا قولا واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية