الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الثالث : أن يشترط شرطا يعلق البيع كقوله : بعتك إن جئتني بكذا ، أو إن رضي فلان ، أو يقول للمرتهن : إن جئتك بحقك في محله ، وإلا فالرهن لك ، فلا يصح البيع ، ولا الشرط في الرهن إلا بيع العربون ، وهو أن يشتري شيئا ويعطي البائع درهما ، ويقول : إن أخذته ، وإلا فالدرهم لك ، فقال أحمد رضي الله عنه : يصح ؛ لأن عمر فعله ، وعند أبي الخطاب لا يصح وإن قال : بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث ، وإلا فلا بيع بيننا ، فالبيع صحيح ، نص عليه ، وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ ، وعنه : يبرأ إلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الثالث : أن يشترط شرطا يعلق البيع كقوله : بعتك إن جئتني بكذا ، أو إن رضي فلان ) فالمذهب أنهما لا يصحان ؛ لأن مقتضى البيع نقل الملك حال التبايع ، والشرط هنا يمنعه ، وعنه : صحة عقده لما تقدم ، وعنه : صحتهما اختاره الشيخ تقي الدين في كل العقود التي لم تخالف الشرع ؛ لأن إطلاق الاسم يتناول المنجز والمعلق والصريح والكناية كالنذر ، ويستثنى على الأول : بعت ، أو قبلت إن شاء الله ( أو يقول للمرتهن : إن جئتك بحقك في محله ، وإلا فالرهن لك ، فلا يصح البيع ولا الشرط في الرهن ) لقوله عليه السلام : لا يغلق الرهن من صاحبه رواه الأثرم ، وفسره أحمد بذلك ، وحكاه ابن المنذر عن جماعة من العلماء ، ولأنه علقه على شرط مستقبل كالأولى ، وفيه الخلاف المتقدم ( إلا بيع العربون ، وهو أن يشتري شيئا ) بثمن معلوم ( ويعطي البائع درهما ) أو أكثر ( ويقول : إن أخذته ) احتسب به من الثمن ( وإلا ) أي : وإن لم آخذه ( فالدرهم لك فقال أحمد : يصح ؛ لأن عمر فعله ) لما روى نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان ، فإن رضي عمر ، وإلا له كذا وكذا ، فلو دفع إليه درهما قبل البيع ، وقال : لا تبعه لغيري ، وإن لم أشترها منك فهو لك ، ثم عقد وحسب من الثمن جاز ، وحمل في " الشرح " فعل عمر عليه جمعا بين فعله والخبر وموافقة القياس ( وعند أبي الخطاب لا يصح ) لنهيه عليه السلام عن بيعه .

                                                                                                                          [ ص: 60 ] رواه ابن ماجه ، ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض ؛ فلم يصح ، كما لو شرطه لأجنبي ، ولأنه بمنزلة الخيار المجهول ، وفي " المغني " هذا هو القياس .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : حكم إجارته كالبيع ، ذكره في " الوجيز " و " الفروع " .

                                                                                                                          الثانية : مقارنة الشرط ، ذكره في " الانتصار " ويأتي في النكاح .

                                                                                                                          الثالثة : يصح تعليق فسخ بشرط ، واختار أبو الخطاب ، والمؤلف لا . قال في " الرعاية " : فيما إذا آجره كل شهر بدرهم إذا مضى شهر ، فقد فسختها أنه يصح كتعليق الخلع ، وهو فسخ على الأصح .

                                                                                                                          الرابعة : إذا صححنا العقد دون الشرط فلمن فات غرضه منهما ، وقيل : للجاهل - فساد الشرط - الفسخ ؛ لأنه لم يسلم له ما عقد عليه ، أو أرش نقص الثمن بإلغائه كالمعيب ، وقيل : لا أرش ، وذكره الشيخ تقي الدين ، ظاهر المذهب .

                                                                                                                          ( وإن قال : بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث ) زاد في " الشرح " أو مدة معلومة ( وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح ، نص عليه ) وهو قول عمر ، واختاره جمع وخصه بالثلاث ؛ لأنه علق رفع العقد بأمر يحدث في مدة الخيار فجاز ، كما لو شرط الخيار ، ولأنه نوع بيع ، فجاز أن يفسخ بتأخر القبض كالصرف ، فإذا لم ينعقد في المدة انفسخ العقد ، وقيل : يبطل بفواته .

                                                                                                                          ( وإن باعه ، وشرط البراءة من كل عيب ) أو من عيب كذا إن كان به ( لم يبرأ ) في ظاهر المذهب ؛ لأنه خيار يثبت بعد العقد ، فلا يسقط قبله كالشفعة [ ص: 61 ] ذكره أبو الخطاب وجمع ، أو لأنه شرط يرتفق به أحد العاقدين ، فلا يصح شرطه كالأجل المجهول ( وعنه : يبرأ إلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه ) ومعناه أنه يبرأ مع الجهل لا العلم به ، لأن عبد الله بن عمر باع عبدا من زيد بن ثابت بثمانمائة درهم بشرط البراءة ، فأصاب به زيد عيبا فأراد رده على ابن عمر ، فلم يقبله فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر أتحلف أنك لم تعلم بهذا العيب ؛ فقال لا ، فرده عليه ، ثم باعه ابن عمر بألف درهم رواه أحمد ، وهذه قضية اشتهرت ، ولم تنكر فكانت كالإجماع ، ونقل ابن هانئ إن عينه صح ، ومعناه نقل ابن القاسم وغيره لا يبرأ إلا أن يخبره بالعيوب كلها ؛ لأنه مرفق في البيع كالخيار ، وعنه : يبرأ مطلقا قال في " الانتصار " : وهو الأشبه بأصولنا كبراءة من مجهول ، وحيث قيل بفساد الشرط فالعقد صحيح على المذهب ، وفيه رواية ، فإن سمى العيب وأبرأه منه ؛ صح .




                                                                                                                          الخدمات العلمية