الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا يجوز بيع الملامسة ، وهو أن يقول : بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا ، أو يقول : أي ثوب لمسته فهو لك بكذا ، ولا بيع المنابذة ، وهو أن يقول : أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا ، ولا بيع الحصاة ، وهو أن يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا ، أو يقول : بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا ، ولا يجوز أن يبيع عبدا من عبيد ، ولا شاة من قطيع ، ولا شجرة من بستان ، ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين ، ولا هذا القطيع إلا شاة ، إن استثنى معينا من ذلك جاز ، إن باعه قفيزا من هذه الصبرة ، صح . . . . وإن باعه الصبرة إلا قفيزا ، أو ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح ، وعنه : يصح ، وإن باعه أرضا إلا جريبا ، أو جريبا من أرض يعلمان جربانه ، صح وكان مشاعا فيها ، وإلا لم يصح وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده وأطرافه ، صح .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا يجوز ) أي : لا يصح ( بيع الملامسة ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة والمنابذة متفق عليه ( وهو أن يقول : بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا ، أو يقول : أي ثوب لمسته فهو لك بكذا ) كذا فسره المؤلف ، وهو ظاهر كلام أحمد ، ولأن المبيع مجهول لا يعلم ، ولا بيع المنابذة للخبر ، وهو أن يقول : أي ثوب نبذته أي : طرحته إلي فهو علي بكذا لما في الصحيح عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة : لمس الرجل ثوب الآخر بيده ، ولا يقلبه ، والمنابذة : أن ينبذ كل رجل منهما ثوبه إلى الآخر ، ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تقليب ، فتفسير أبي سعيد للمنابذة نظرا إلى اللفظ ، ولذلك جعل النبذ من الطرفين ، وفي رواية أخرى المنابذة طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه ، ولأنه مجهول لا يعلم ، وفي بعضها يجتمع مفسدان : الجهالة ، والتعليق على شرط فلو قال : بعتك ما قلته ، أو ما أنبذه إليك لم يصح لأنه غير معين ولا موصوف ( ولا بيع الحصاة ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الحصاة وهل هو في الأرض ، أو الثياب ؛ وقد ذكرهما المؤلف ( وهو أن [ ص: 30 ] يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا ، أو يقول : بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا ) وكلاهما باطل لما فيه من الغرر والجهالة .

                                                                                                                          فرع : لا يجوز بيع المعدن وحجارته ، والسلف فيه ، نص عليه ( ولا يجوز أن يبيع عبدا غير معين ، لأنه غرر ، فيدخل في عموم النهي وللجهالة ، ولا عبدا ( من عبيد ) لما ذكرنا ، ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع وسواء قلوا ، أو كثروا وظاهر كلام الشريف ، وأبي الخطاب يصح إن تساوت القيمة ، وفي مفردات أبي الوفاء يصح عبد من ثلاثة بشرط الخيار ( ولا شاة من قطيع ، ولا شجرة من بستان ) للجهالة ( ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين ، ولا هذا القطيع إلا شاة ) نص عليه ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن ذلك غرر ويفضي إلى التنازع وكما لو قال : بعتك شاة من القطيع تختارها وضابطه أن كل ما لا يصح بيعه مفردا لا يصح استثناؤه ، ويستثنى منه بيع السواقط للأثر ( وإن استثنى معينا من ذلك ) كقوله : إلا هذا العبد ، أو إلا فلانا وهما يعرفانه ( جاز ) لأنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم قال الترمذي : حديث صحيح ، ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوما فينتفي المفسد ( وإن باعه قفيزا من هذه الصبرة ، صح ) وكذا في " الفروع " وزاد إن علما زيادتها عليه وهو مراد ؛ لأنه مبيع مقدر معلوم من جملة ، فصح بيعها أشبه ما لو باع منها جزءا مشاعا ، وشرط في " المحرر " و " الوجيز " إن كانت متساوية الأجزاء يحترز به من صبرة بقال القرية ، فإنه لا يصح لكونها مختلفة ، وقيل : بلى [ ص: 31 ] فلو تلفت الصبرة إلا قفيزا فهو المبيع ، ولو فرق القفزان فباعه أحدهما مبهما ؛ فاحتمالان .

                                                                                                                          فائدة : قال الأزهري : الصبرة الكومة المجموعة من الطعام سميت صبرة لإفراغ بعضها على بعض ومنه قيل للسحاب فوق السحاب صبير ويقال : صبرت المتاع إذا جمعته وضممت بعضه على بعض .

                                                                                                                          ( وإن باعه الصبرة إلا قفيزا ، أو ثمرة الشجرة إلا صاعا ) أو ثمرة البستان إلا صاعا ( لم يصح ) في ظاهر المذهب ؛ لأن المبيع مجهول ؛ لأن ما كان معلوما بالمشاهدة يخرج عن كونه معلوما بالاستثناء ، ودليله الخبر ( وعنه : يصح ) لأنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة ، وذكره أبو الوفاء المذهب في رطل من اللحم ، وجزم به أبو محمد الجوزي في آصع من بستان كاستثناء جزء مشاع ، ولو فوق ثلثها وكمبيع صبرة بألف إلا بقدر ربعه لا ما يساويه لجهالته .

                                                                                                                          فرع : إذا استثنى من الحائط شجرة معينة ، صح في الأصح ؛ لأنه معلوم ( وإن باعه أرضا إلا جريبا ، أو ) باعه ( جريبا من أرض يعلمان جربانها ، صح ) فيهما ؛ لأن الأرض إذا كانت عشرة أجربة ففي صورة الاستثناء كأنه قال : بعتك تسعة أعشار هذه الأرض ، وهو معلوم بالمشاهدة ، وفي الثانية كأنه قال : بعتك عشرها ( وكان مشاعا فيها ) لإشاعة الجزء المباع ( وإلا ) إذا لم يعلما جربان الأرض ( لم يصح ) في الأصح ؛ لأن أجزاء الأرض تختلف ، فإذا لم تتعين لم [ ص: 32 ] يصح لجهالته ، وذكره بعضهم اتفاق الأئمة ؛ لأنه لا معينا ، ولا مشاعا ، وفي بيع خشبة من سقف وفص من خاتم ، الخلاف .

                                                                                                                          فرع : حكم الثوب كالأرض فيما ذكرنا ، وقال القاضي : إن نقصه القطع فلا ، لأنه غير قادر على التسليم إلا بضرر ، كما لو باعه نصفا معينا من الحيوان ، وجوابه أنه قادر على تسليمه مع الرضى بخلاف ما سبق .

                                                                                                                          مسألة : إذا قال : بعتك من الأرض من هنا إلى هنا جاز ؛ لأنه معلوم فلو قال : بعتك عشرة أذرع منها ، وعين الابتداء ، ولم يعين الانتهاء لم يصح ، نص عليه ، ومثله بعتك نصف هذه الدار التي تليني قاله المجد ، وإن قال : بعتك نصيبي أو سهمي من هذه الدار وهما يعلمانه صح ، وإلا فلا .

                                                                                                                          ( وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده وأطرافه ، صح ) في المنصوص لأنه عليه السلام لما خرج من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة فمروا براعي غنم فاشتريا منه شاة ، وشرطا له سلبها رواه أبو الخطاب ، ولأن المستثنى والمستثنى منه معلومان ، فصح ، كما لو باع حائطا واستثنى منه نخلة معينة ، وكونه لا يجوز إفراده بالبيع لا يمنع صحة استثنائه كالثمرة قبل تأبيرها ، فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر ويلزمه قيمته على التقريب ، نص عليه ، ومحله إذا لم يشترط الذبح ، فإن اشترطه لزمه ودفع المستثنى ؛ لأنه إنما دخل على ذلك ، والتسليم عليه مستحق وللمشتري الفسخ بعيب يختص بهذا المستثنى ، ذكره في " الفنون " قال في " الفروع " ، ويتوجه لا ، وإنه إن لم يذبحه للمشتري الفسخ ، وإلا فقيمته ، كما روي عن علي ، ولعله مرادهم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية