الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 67 ] فصل

                                                                                                                          الثاني : خيار الشرط ، وهو أن يشترطا في العقد خيار مدة معلومة فيثبت فيها ، وإن طالت ، ولا يجوز مجهولا في ظاهر المذهب ، وعنه : يجوز وهما على خيارهما إلى أن يقطعاه ، أو تنتهي مدته ، ولا يثبت إلا في البيع ، والصلح بمعناه ، والإجارة في الذمة ، أو على مدة لا تلي العقد ، وإن شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة ، وعنه : يدخل وإن شرطاه مدة ، فابتداؤها من حين العقد ، ويحتمل أن يكون من حين التفرق ، وإن شرط الخيار لغيره جاز ، وكان توكيلا له فيه ، وإن شرطا الخيار لأحدهما دون صاحبه جاز ، ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه ، وإن مضت المدة ، ولم يفسخا بطل خيارهما وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين ، فما حصل من كسب ، أو نماء منفصل ، فهو له ، أمضيا العقد أو فسخاه ، وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار إلا بما يحصل به تجربة المبيع ، وإن تصرفا ببيع أو هبة ونحوهما لم ينفذ تصرفهما ، ويكون تصرف البائع فسخا للبيع ، وتصرف المشتري إسقاطا لخياره في أحد الوجهين ، وفي الآخر البيع والخيار بحالهما ، وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الروايتين ، وكذلك إن قبلته الجارية ، ويحتمل أن يبطل إن لم يمنعها ، وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما ، وكذلك إن تلف المبيع ، وعنه : لا يبطل خيار البائع وله الفسخ ، والرجوع بالقيمة وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين ، وفي الآخر حكمه حكم العتق ، وإن وطئ المشتري الجارية فأحبلها صارت أم ولده ، وولده حر ثابت النسب ، وإن وطئها البائع ، فكذلك إن قلنا : البيع ينفسخ بوطئه ، وإن قلنا : لا ينفسخ فعليه المهر ، وولده رقيق إلا إذا قلنا : الملك له ، ولا حد فيه على كل حال ، وقال أصحابنا : عليه الحد إذا علم زوال ملكه ، وإن البيع لا ينفسخ بالوطء ، وهو المنصوص ، ومن مات منهما بطل خياره ، ولم يورث ، ويتخرج ويورث كالأجل .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( الثاني : خيار الشرط ، وهو أن يشترطا في العقد ) وظاهره لو اتفقا قبله لم يلزم الوفاء به ، وفي " المحرر " وبعده في زمن الخيارين ( خيار مدة معلومة فيثبت فيها ، وإن طالت ) وقاله جمع من العلماء لقوله تعالى : أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] ولقوله عليه السلام : المسلمون على شروطهم ولأنه حق مقدر يعتمد الشرط فيرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل ، أو مدة ملحقة بالعقد فجاز عليه كالأجل ، وما روي عن محمد بن يحيى بن حبان - بفتح الحاء ، والباء الموحدة - أن جده كان يغبن في البيوع فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا بايعت فقل لا خلابة ، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال رواه البخاري في تاريخه وأصله في الصحيحين ، ولفظ البخاري : لا خلابة ومسلم : لا خيانة قيل : هو تصحيف ، وهو ينافي مقتضى العقد ؛ لأنه يمنع الملك واللزوم ، وإطلاق التصرف ، فجاز في الثلاثة للحاجة فإنه خاص بحبان ، لأنه كان أصابه آمة في رأسه فكسرت لسانه ، وكان يغبن ويرد السلع على التجار ، ويقول : الرسول جعل لي الخيار ثلاثا ، وعاش إلى زمن عثمان وتقديرها بالحاجة لا يصح ؛ لأنه لا يمكن ضبط الحكم بها لخفائها ، وكلامه شامل لو كان المبيع لا يبقى إلى مضيها ، كطعام رطب ونحوه ، فإنه يباع ويحفظ ثمنه إلى المدة صرح به القاضي ، وهو قياس ما ذكر في الرهن ، وهذا ما لم يكن حيلة ، فإن فعله حيلة ليربح فيما أقرضه لم يجز ، نص عليه ( ولا يجوز مجهولا ) كقدوم زيد ، أو مجيء المطر أو الأبد ( في ظاهر المذهب ) لأنها مدة ملحقة بالعقد ، فلم تجز مع الجهالة مع أن شرط الأبد يقتضي المنع من [ ص: 68 ] التصرف فيه ، وهو مناف لمقتضى العقد ( وعنه : يجوز ) وقاله ابن شبرمة للخبر ، فعلى هذه ( هما على خيارهما إلى أن يقطعاه ، أو تنتهي مدته ) إن كانت معلقة بما تنتهي به .

                                                                                                                          ( ولا يثبت إلا في البيع ) لما مر ويستثنى منه ما يشترط فيه القبض لصحته كالصرف والسلم ( والصلح بمعناه ) لأنه بيع بلفظ الصلح ، وقسمة قاله في " الفروع " قال ابن عقيل : وإن كان رد ، وأنه يحتمل دخوله في سلم - رواية واحدة - لعدم اعتبار قبضهما ( والإجارة في الذمة ) كقوله : استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه ، فيثبت فيه خيار الشرط ؛ لأنه استدراك للغبن ، فوجب ثبوته كخيار المجلس ( أو على مدة لا تلي العقد ) كما لو أجره سنة خمس في سنة أربع فدل على أنها إذا كانت تلي العقد لا يثبت فيها خيار الشرط على المذهب إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها ، أو إلى استيفائها في مدة الخيار جائز ، وفيه وجه أنه يصح ويتصرف المستأجر ، فإن فسخ العقد رجع بقيمة المنافع المستوفاة ، وظاهره أنه لا يثبت ما ذكر ، وقال ابن حامد : يثبت في ضمان وكفالة ، وقال ابن الجوزي : ونصر بن علي صاحب " الروضة " يثبت كخيار المجلس ، وقال الشيخ تقي الدين : يجوز في كل العقود ( وإن شرطاه إلى الغد لم تدخل في المدة ) لأن " إلى " لانتهاء الغاية ، وما بعدها يخالف ما قبلها لقوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وكنظائره في الطلاق والإقرار ( وعنه : تدخل ) لأنها قد تكون بمعنى " مع " فعليها لا يسقط الخيار إلا بآخر الغد ، وجوابه بأن ما تقدم هو الأصل فيها ، وحملها على المعية إما لدليل أو لتعذر حملها على [ ص: 69 ] موضوعها الأصلي ، وإلى الظهر إلى الزوال كالغد والعشي والعشية من الزوال ، وذكرهما الجوهري من الغروب إلى العتمة كالعشاء ، وإن قوما زعموا أن العشاء من الزوال إلى طلوع الفجر ، والمساء والغبوق من الغروب والغدوة والغداة من الفجر إلى طلوع الشمس كالصبوح ، والآصال من العصر إلى الغروب .

                                                                                                                          فائدة : يقال من الفجر إلى الزوال أصبح عندك فلان ، ومن الزوال إلى آخر النهار أمسى عندك ، والصباح خلاف المساء ، والإصباح نقيض الإمساء ( وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد ) على المذهب ، لأنها مدة ملحقة بالعقد ، فكان ابتداؤها من حين العقد كالأجل ( ويحتمل أن يكون من حين التفرق ) وهو وجه ؛ لأن الخيار ثابت في المجلس حكما ، فلا معنى لإثباته بالشرط ، ولأن حالة المجلس كحالة العقد ؛ لأن لهما نية الزيادة والنقصان بكذا في " المغني " و " الشرح " الأول ؛ لأن الاشتراط سبب ثبوت الخيار ، فوجب أن يتعقبه حكمه كالملك في البيع مع أنها لو جعلت من التفرق لأدى إلى جهالتها ، وثبوت الحكم ممتنع كالوطء يحرم بالصيام والإحرام .

                                                                                                                          فرع : إذا شرطاه سنة في أثناء شهر استوفى شهر بالعدد وباقيها بالأهلة ، وعنه : يستوفى الكل بالعدد ، كما يأتي فيما إذا علق بالأشهر من إجارة وعدة وصوم كفارة ، وإن شرطاه شهرا يوما يثبت ، ويوما لا ، فثالثها كابن عقيل يصح في اليوم الأول ، لإمكانه ويبطل فيما بعده ؛ لأنه إذا لزم في اليوم الثاني : لم يعد إلى الجواز .



                                                                                                                          ( وإن شرط الخيار لغيره ) وله ( جاز وكان توكيلا له فيه ) لأن تصحيح [ ص: 70 ] الاشتراط ممكن ، فوجب حمله عليه صيانة لكلام المكلف عن الإلغاء ، وصار بمنزلة ما لو قال : أعتق عبدك عني ، وإن شرطه لزيد وأطلق فوجهان ، وإن قال : له دوني لم يصح ؛ لأن الخيار شرع لتحصيل الحظ لكل من المتعاقدين بنظره ، فلا يكون لمن لا حظ له ، وظاهره أنه يصح ، واختاره في " المغني " و " الشرح " ويكون توكيلا ؛ لأنه أمكن تصحيحه فعليه لأحدهما الفسخ ، وقيل : للموكل إن شرطه لنفسه وجعله وكيلا .

                                                                                                                          ( وإن شرط الخيار لأحدهما ) : أي : أحد المتعاقدين ( دون صاحبه جاز ) لأنه إذا جاز اشتراطه لهما ، فلأن يجوز لأحدهما بطريق الأولى ، فدل على أنه إذا شرط لأحدهما : لا بعينه أنه غير جائز لجهالته ، كما لو اشترى أحد عبديه وكما لو جعل الخيار في إحدى السلعتين لا بعينها بخلاف ما لو اشترى شيئين ، وشرط الخيار في أحدهما : بعينه دون الآخر فإنه يصح ويكون كل منهما مبيعا بقسطه ويظهر أثره عند الرد ( ولمن له الخيار الفسخ ) في قول الأكثر ( من غير حضور صاحبه ولا رضاه ) لأنه عقد جعل إليه ، فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق ، ونقل أبو طالب : يرد الثمن ، اختاره الشيخ تقي الدين كالشفيع ، ولعله مراد من أطلق لإزالة الضرر ، وفي " الفروع " يتخرج من عزل الوكيل لا فسخ في غيبته حتى يبلغه في المدة ( وإن مضت المدة ، ولم يفسخا بطل خيارهما ) ولزم العقد ، هذا هو الأصح ، لأنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل ، وقال القاضي : لا يلزم ؛ لأنه حق له لا عليه ، فلم يلزم بمرور الزمان كمضي الأجل في حق المولى ، وجوابه أن الحكم إلى بقاء الخيار أكثر من مدته [ ص: 71 ] المشترطة ، وهو لا يثبت إلا بالشرط ، إذ البيع سبب اللزوم ، لكن تخلف موجبه بالشرط ، فإذا زالت مدته لزم العقد بموجبه لخلوه عن المعارض ، قوله : " ولم يفسخا " ليس قيدا فيه بل لو لم يفسخ أحدهما بطل الخيار ، صرح به في " المغني " و " الشرح " ، إذ فسخ أحدهما : لا يصدق عليه أنهما فسخا ، ولم يحترز عنه لظهور المراد .

                                                                                                                          ( وينتقل الملك ) مدة الخيارين ( إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين ) هي المذهب لقوله عليه السلام : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ووجه أنه جعل المال للمبتاع باشتراطه ، وهو عام في كل بيع فيدخل فيه بيع الخيار . والثانية : لا ينتقل الملك إلا بانقضاء مدة الخيار ؛ لأنه عقد قاصر لا يفيد التصرف ولا يلزم ، أشبه الهبة قبل القبض ، والأولى أصح ؛ لأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه ، كما لو لم يشترطه ، ولأن البيع تمليك بدليل أنه يصح بقوله : ملكتك ، فيثبت فيه كالمطلق ، ودعوى القصور فيه ممنوعة ، وجواز فسخه لا يوجب قصوره ، ولا يمنع نقل الملك فيه كالمعيب وامتناع التصرف لأجل حق الغير لا يمنع ثبوت الملك كالمرهون ، فعلى هذا يعتق عليه قريبه وينفسخ نكاحه ويخرج فطرته قال أبو الخطاب ، وغيره ويأخذ بالشفعة ، ولا فرق بين أن يكون الخيار لهما أو لأحدهما : صرح به في " المغني " و " الشرح " ( فما حصل من كسب ، أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد ، أو فسخاه ) لأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه بقوله : الخراج بالضمان قال الترمذي : حديث صحيح ، واحترز بالمنفصل عن النماء المتصل ، كالسمن ونحوه فإنه يتبع العين مع الفسخ [ ص: 72 ] لتعذر انفصاله ، قال ابن المنجا : ولا بد أن يلحظ في كون النماء المنفصل للمشتري ، وأنه مبني على القول بأن الملك ينتقل إليه بنفس العقد لا على الرواية الثانية ، فإنه للبائع ، وفيه نظر ، فإنه مفرع على الصحيح ، وعنه : إن فسخ أحدهما : فالنماء المنفصل ، وعنه : وكسبه للبائع كرواية الملك له .

                                                                                                                          فرع : الحمل وقت العقد مبيع ، وعنه : نماء ، فترد الأم بعيب بالثمن كله ، ذكره في " الوسيلة " ، فعلى الأول : هل هو كأحد عينين ، أو تبع للأم لا حكم له ؛ فيه روايتان .

                                                                                                                          ( وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار ) لأنه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ، ولا انقطعت عنه علقة فيتصرف فيه المشتري ، وكذا يمنع من التصرف في العوض ، صرح به في " الوجيز " و " الرعاية " ، والزركشي حذارا من إبطال حق الآخر ( إلا بما يحصل به تجربة المبيع ) كركوب الدابة لينظر سيرها ، وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها ؛ لأن ذلك المقصود من الخيار ، وهو اختبار المبيع ( فإن تصرفا ) أو أحدهما : ( ببيع ، أو هبة ونحوهما ) مما ينقل الملك ، أو يثبت النقل في العقود كالإجارة والرهن فهو حرام و ( لم ينفذ تصرفهما ) كذا أطلقه جماعة ؛ لأنه تصرف لم يصادف محله ؛ لأن البائع لا يملكه ، والمشتري يقتضي تصرفه إلى إسقاط حق البائع من الخيار ، واسترجاع المبيع ، وقيل : ينفذ تصرف البائع إذا قلنا الملك له والخيار له ، وفي " المغني " أولهما ، وعنه : ينفذ تصرف المشتري ، كما لو كان الخيار له على الأصح ، وعنه : موقوف .

                                                                                                                          [ ص: 73 ] ( ويكون تصرف البائع فسخا للبيع وتصرف المشتري إسقاطا لخياره ) أي : رضي به ( في أحد الوجهين ) جزم به في " الوجيز " ؛ لأن ذلك يحصل بالتصريح فحصل بالدلالة عليه كالمعتقة ، فإن خيارها يسقط بتمكينها الزوج من وطئها ، والمذهب أن تصرف المشتري وسومه ووطأه ولمسه بشهوة إمضاء ، قال أحمد : وجب عليه حين عرضه ( وفي الآخر البيع والخيار بحالهما ) أي : ليس تصرف البائع فسخا للبيع ، نص عليه واختاره ابن أبي موسى ، وهو الأصح ؛ لأن الملك انتقل عنه ، فلم يكن تصرفه فسخا واسترجاعا ، كما لو وجد ماله عند مفلس ، وكما لو أنكر شرط الخيار ، قاله في " الترغيب " وغيره ، وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق وسيأتي ، ولا يبطل خياره إلا بالتصريح ، فالتصرف غير صحيح فوجوده كعدمه ، وفي طريقة بعض أصحابنا : له التصرف ، ويكون رضي بلزومه وإن سلم ، فلأنه منع نفسه منه ، قال : وإذا قلنا بالملك له قلنا بانتقال الثمن إلى البائع ، وقاله غيره ، فإن تصرف مع البائع ، فروايتان بناء على دلالة التصرف على الرضى .

                                                                                                                          فرع : إذا تصرف أحدهما بإذن الآخر ، أو تصرف وكيلهما فهو نافذ في الأصح فيهما ، وانقطع الخيار ؛ لأنه يدل على تراضيهما بإمضاء البيع ، كما لو تخايرا ( وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الروايتين ) لأن الخدمة لا تختص الملك ، فلم تبطل به كالنظر ، وظاهره مطلقا وقيده في " الوجيز " بأنه إذا كان للاستعلام وأومأ إليه في " الشرح " ، والثانية : تبطل ؛ لأن الخدمة إحدى المنفعتين فأبطلت الخيار كالوطء ، أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " .

                                                                                                                          [ ص: 74 ] ( وكذلك إن قبلته الجارية ) ولم يمنعها ، نص عليه ؛ لأنه لم يوجد منه ما يدل على إبطال ، ولأن الخيار له لا لها ، فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه بخلاف ما إذا قبلها ، فإنه يدل على الرضى ( ويحتمل أن يبطل إن لم يمنعها ) لأن سكوته استمتاع بها ودليل على رضاه ، أشبه المعتقة تحت عبد إذا وطئها وهي ساكتة ، قال ابن المنجا : ولا بد أن يقيد الخلاف بالشهوة ؛ لأنه إذا كان لغير شهوة لا يبطل بغير خلاف ؛ لأن التقبيل لغير شهوة ليس باستمتاع بوجه ، وليس كذلك بل ما ذكره هو قول في المذهب ، وظاهر كلامهم خلافه ( وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه ) على المذهب ؛ لأنه عتق من مالك جائز التصرف تام الملك فنفذ ، كما لو كان بعد مدة الخيار ، وقوله عليه السلام : لا عتق فيما لا يملك ابن آدم دال على نفوذه في الملك ، وملك البائع الفسخ لا يمنع صحته ، كما لو وهب ابنه عبدا فأعتقه ، فإنه ينفذ مع ملك الأب استرجاعه ، وظاهره أن عتق البائع لا ينفذ ، وهو ظاهر المذهب ( وبطل خيارهما ) لأن المشتري تصرف بما يقتضي اللزوم ، وهو العتق ( وكذلك إن تلف المبيع ) أي : بعد قبضه فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وهي اختيار الخرقي ، وأبي بكر ؛ لأن التالف لا يتأتى عليه الفسخ ، ولأنه خيار فسخ فبطل بتلف المبيع ، كالرد بالعيب إذا تلف المبيع وحينئذ يلزمه الثمن للبائع ( وعنه : لا يبطل خيار البائع ) أما في العتق فلأنه لم يوجد منه ما يدل على الرضى ، وتعذر الرجوع لا يمنع الفسخ ؛ لأنه قد يكون فيه مصلحة لكونه باعه بأقل من ثمن مثله ، فإذا فسخ ملك الرجوع في قيمته ، وأما في التلف فقيل : هي أنصهما ، واختارها الشريف ، وابن عقيل وحكاه في موضع عن الأصحاب لعموم " البيعان بالخيار " ، ولأنه خيار فسخ ، فلم يبطل [ ص: 75 ] بتلف المبيع ، كما لو اشترى ثوبا بآخر فتلف أحدهما ووجد بالآخر عيبا ، فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه ، فكذا هنا قال الزركشي : وكان محل التردد هل النظر إلى حال العقد ، أو إلى الحالة الراهنة ( و ) عليها ( له الفسخ ) لأن خياره لم يبطل ( والرجوع بالقيمة ) لأنها بدل ما لا مثل له ، أو بمثله إن كان مثليا .

                                                                                                                          ( وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين ) وهو الأصح ومعناه أنه لا ينفذ ؛ لأنه يتضمن إبطال حق غيره ، أشبه وقف المرهون ( وفي الآخر حكمه حكم العتق ) لأنه تصرف يبطل الشفعة فنفذ كالعتق ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " بالفرق بأن العتق مبني على التغليب والسراية ، ويصح في الرهن بخلاف الوقف ، ولا نسلم أن الوقف يبطل الشفعة .



                                                                                                                          ( وإن وطئ المشتري الجارية ) زمن الخيارين فهو حرام ، سواء كان الخيار لهما ، أو للبائع لتعلق حق البائع بها كالمرهونة ، قال في " الشرح " : لا نعلم فيه خلافا ، ولا حد عليه ؛ لأنه يدرأ بشبهة الملك فحقيقته أولى ، ولا مهر لها ، لأنها مملوكته ، فإن علقت منه ، وهو المراد بقوله : ( فأحبلها صارت أم ولده ) لأنه صادف محله ، أشبه ما لو أحبلها بعد انقضاء مدة الخيار ( وولده حر ثابت النسب ) لأنه من مملوكته ، وظاهره أنه لا تلزمه قيمته ؛ لأنه حدث في ملكه ، فإن فسخ البائع رجع بقيمتها ؛ لأنه تعذر الفسخ فيها ، وعلى الثانية : عليه المهر وقيمة الولد ، وإن كان عالما بالتحريم ، وأن ملكه غير ثابت فولده رقيق ، قاله في " الشرح " ( وإن وطئها البائع فكذلك إن قلنا البيع ينفسخ بوطئه ) أي : فهو كالمشتري ( وإن قلنا لا ينفسخ ، فعليه [ ص: 76 ] المهر وولده رقيق ) لأنه وطء في ملك الغير ( إلا إذا قلنا الملك له ) على رواية ، فلا يترتب ما ذكره ، وحينئذ ولده حر ثابت النسب ، ولا يلزمه قيمته ولا مهر ولا تصير أم ولده ، لكن قال أصحابنا : إن علم التحريم فولده رقيق لا يلحقه نسبه ، وإن لم يعلم لحقه نسبه وولده حر ، وعليه قيمته يوم الولادة ، وعليه المهر ، ولا تصير أم ولد له ؛ لأنه وطئها في غير ملكه ، ذكره في " الشرح " ( ولا حد عليه على كل حال ) اختاره ابن عقيل ، وصححه في " المغني " ونصره في " الشرح " ؛ لأن وطأه إما أن يصادف ملكا ، أو شبهة ، فإن العلماء اختلفوا في ثبوت ملكه ، وإباحة وطئه ( وقال أصحابنا ) وعزاه في " الشرح " إلى بعضهم ( عليه الحد إذا علم زوال ملكه ، وإن البيع لا ينفسخ بالوطء ، وهو المنصوص ) عن أحمد ، لأنه لم يصادف ملكا ، ولا شبهة ملك ( ومن مات منهما بطل خياره ، ولم يورث ) على المذهب ، قاله ابن المنجا ، لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه ، فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة ، وظاهره مطلقا ، والمذهب أنه يبطل إلا أن يطالب به الميت ، نص عليه ؛ لأن معنى الخيار تخيره بين فسخ وإمضاء ، وهو صفة ذاتية كالاختيار ، فلم يورث كعلمه وقدرته ( ويتخرج ) أن لا يبطل ( ويورث كالأجل ) حكاه في " الفروع " قولا ، وفي " عيون المسائل : " رواية ؛ لأنه حق فسخ ، فينتقل إلى الورثة كالفسخ بالتحالف وكخيار قبول الوصية له .

                                                                                                                          تنبيه : إذا علق عتق عبده ببيع فباعه ، ولو بشرط الخيار عتق ، نص عليه ، كالتدبير ولم ينقل الملك ، وتردد فيه الشيخ تقي الدين قال : وعلى قياس المسألة [ ص: 77 ] تعليق طلاق ، أو عتق لسبب يزيل ملكه عن الزوجية ، وقيل : يعتق في موضع يحكم له بالملك ، وهو ظاهر ، وقيل : يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد ، وصححنا نفيه ، فإنه لا يعتق .




                                                                                                                          الخدمات العلمية