الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6677 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : يفر بدينه من الفتن ) قال الكرماني هذه الجملة حالية وذو الحال الضمير المستتر في يتبع أو المسلم إذا جوزنا الحال من المضاف إليه فقد وجد شرطه وهو شدة الملابسة وكأنه جزء منه ، واتحاد الخير بالمال واضح ، ويجوز أن تكون استئنافية وهو واضح انتهى . والخبر دال على فضيلة العزلة لمن خاف على دينه ، وقد اختلف السلف في أصل العزلة فقال الجمهور الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك . وقال قوم العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين ، وقد مضى طرف من ذلك في " باب العزلة " من كتاب الرقاق وقال النووي المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية ، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى . وقال غيره : يختلف باختلاف الأشخاص ، فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين ومنهم من يترجح ، وليس الكلام فيه بل إذا تساويا فيختلف [ ص: 47 ] باختلاف الأحوال فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات ، فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان ، وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وممن يستوي من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع ، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور ، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما قال الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ويؤيد التفصيل المذكور حديث أبي سعيد أيضا : خير الناس رجل جاهد بنفسه وماله ، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد تقدم في باب العزلة " من كتاب الرقاق حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه آنفا فإن أوله عند مسلم : خير معاشر الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله الحديث ، وفيه " ورجل في غنيمة " الحديث وكأنه ورد في أي الكسب أطيب ، فإن أخذ على عمومه دل على فضيلة العزلة لمن لا يتأتى له الجهاد في سبيل الله إلا أن يكون قيد بزمان وقوع الفتن والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية