الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6776 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث حديث ابن عمر في البيعة على السمع والطاعة وفيه يقول لنا " فيما استطعتم " ووقع في رواية المستملي والسرخسي " فيما استطعت " بالإفراد ، والأول هو الذي في الموطأ وهو يقيد ما أطلق في الحديثين قبله وكذلك حديث جرير وهو الرابع ، وسيار في السند بفتح المهملة وتشديد التحتانية هو ابن وردان ، وأما حديث ابن عمر فذكر له طريقا قبل حديث جرير وآخر بعده وفيهما معا " أقر بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت " وهو منتزع من حديثه الأول ، فالثلاثة في حكم حديث واحد ، وقوله في رواية مسدد عن يحيى هو القطان ، أن ابن عمر قال : إني أقر " إلخ بين في رواية عمرو بن علي أنه كتب بذلك إلى عبد الملك ومن ثم قال في آخره " وإن بني قد أقروا بمثل ذلك " فهو إخبار من ابن عمر عن بنيه بأنه سبق منهم الإقرار المذكور بحضرته ; كتب به ابن عمر إلى عبد الملك وقوله : قد أقروا بمثل ذلك " زاد الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان في آخره " والسلام " وقوله في الرواية الثانية كتب إليه عبد الله بن عمر إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين " إني أقر بالسمع والطاعة " إلخ ، ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان بلفظ " رأيت ابن عمر يكتب ، وكان إذا كتب يكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد ; فإني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك " وقال في آخره أيضا " والسلام " قال الكرماني : قال أولا " إليه " وثانيا " إلى عبد الملك " ثم بالعكس وليس تكرارا ، والثاني هو المكتوب لا المكتوب إليه أي كتب هذا ، وهو إلى عبد الملك ، وتقديره " من ابن عمر إلى عبد الملك " وقوله " حيث اجتمع الناس على عبد الملك " يريد ابن مروان بن الحكم ، والمراد بالاجتماع اجتماع الكلمة وكانت قبل ذلك مفرقة ، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان كل منهما يدعى له بالخلافة ، وهما عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير ، فأما ابن الزبير فكان أقام بمكة وعاذ بالبيت بعد موت معاوية ، وامتنع من المبايعة ليزيد بن معاوية ، فجهز إليه يزيد الجيوش مرة بعد أخرى فمات يزيد وجيوشه محاصرون ابن الزبير ، ولم يكن ابن الزبير ادعى الخلافة حتى مات يزيد في ربيع الأول سنة أربع وستين ، فبايعه الناس بالخلافة بالحجاز ، وبايع أهل الآفاق لمعاوية بن يزيد بن معاوية فلم يعش إلا نحو أربعين يوما ومات ، فبايع معظم الآفاق لعبد الله بن الزبير وانتظم له ملك الحجاز واليمن ومصر والعراق والمشرق كله وجميع بلاد الشام حتى دمشق ، ولم يتخلف عن بيعته إلا جميع بني أمية ومن يهوى هواهم وكانوا بفلسطين ، فاجتمعوا على مروان بن الحكم فبايعوه بالخلافة ، وخرج بمن أطاعه إلى جهة دمشق والضحاك بن قيس قد بايع فيها لابن الزبير ، فاقتتلوا " بمرج راهط " فقتل الضحاك وذلك في ذي الحجة منها وغلب مروان على الشام ، ثم لما انتظم له ملك الشام كله توجه إلى مصر [ ص: 207 ] فحاصر بها عبد الرحمن بن جحدر عامل ابن الزبير حتى غلب عليها في ربيع الآخر سنة خمس وستين ثم مات في سنته ، فكانت مدة ملكه ستة أشهر ; وعهد إلى ابنه عبد الملك بن مروان فقام مقامه وكمل له ملك الشام ومصر والمغرب ، ولابن الزبير ملك الحجاز والعراق والمشرق إلا أن المختار بن أبي عبيد غلب على الكوفة ، وكان يدعو إلى المهدي من أهل البيت فأقام على ذلك نحو السنتين ، ثم سار إليه مصعب بن الزبير أمير البصرة لأخيه فحاصره حتى قتل في شهر رمضان سنة سبع وستين ، وانتظم أمر العراق كله لابن الزبير فدام ذلك إلى سنة إحدى وسبعين ، فسار عبد الملك إلى مصعب فقاتله حتى قتله في جمادى الآخرة منها وملك العراق كله ، ولم يبق مع ابن الزبير إلا الحجاز واليمن فقط ، فجهز إليه عبد الملك الحجاج فحاصره في سنة اثنتين وسبعين إلى أن قتل عبد الله بن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ، وكان عبد الله بن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك كما كان امتنع أن يبايع لعلي أو معاوية ، ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي واجتمع عليه الناس ، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس عليه ، ثم امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلى أن قتل ابن الزبير وانتظم الملك كله لعبد الملك فبايع له حينئذ ، فهذا معنى قوله : لما اجتمع الناس على عبد الملك .

                                                                                                                                                                                                        وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق سعيد بن حرب العبدي قال : بعثوا إلى ابن عمر لما بويع ابن الزبير فمد يده وهي ترعد فقال : والله ما كنت لأعطي بيعتي في فرقة ، ولا أمنعها من جماعة " ثم لم يلبث ابن عمر أن توفي في تلك السنة بمكة ، وكان عبد الملك وصى الحجاج أن يقتدي به في مناسك الحج كما تقدم في " كتاب الحج " فدس الحجاج عليه الحربة المسمومة ، كما تقدم بيان ذلك في " كتاب العيدين " فكان ذلك سبب موته رضي الله عنه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية