الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6781 حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال لهم عبد الرحمن لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان قال المسور طرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال أراك نائما فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم انطلق فادع الزبير وسعدا فدعوتهما له فشاورهما ثم دعاني فقال ادع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل ثم قام علي من عنده وهو على طمع وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا ثم قال ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضرا من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا فقال أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث السادس قوله : حدثنا جويرية ) بالجيم مصغر جارية هو ابن أسماء الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد بن أسماء الراوي عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن الرهط الذين ولاهم عمر ) أي عينهم فجعل الخلافة شورى بينهم أي ولاهم التشاور فيمن يعقد له الخلافة منهم ، وقد تقدم بيان ذلك مفصلا في " مناقب عثمان " في الحديث الطويل الذي أورده من طريق عمرو بن ميمون الأودي أحد كبار التابعين في ذكر قتل عمر ، وقولهم لعمر - لما طعنه أبو لؤلؤة - استخلف فقال " ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء الرهط فسمى : عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن " وفيه " فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط " وأورده الدارقطني في " غرائب مالك " من طريق سعيد بن عامر عن جويرية مطولا وأوله عنده " لما طعن عمر قيل له : استخلف قال ، وقد رأيت من حرصهم ما رأيت - إلى أن قال - هذا الأمر بين ستة رهط من قريش ، فذكرهم وبدأ بعثمان ثم قال : وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص ، وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثا ، فإن قدم فيهم فهو شريكهم في الأمر . وقال : إن الناس لن يعدوكم أيها الثلاثة ، فإن كنت يا عثمان في شيء من أمر الناس فاتق الله ، ولا تحملن بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وإن كنت يا علي فاتق الله ولا تحملن بني هاشم على رقاب الناس ، وإن كنت يا عبد الرحمن فاتق الله ولا تحملن أقاربك على رقاب الناس ، قال : ويتبع الأقل الأكثر ، ومن تأمر من غير أن يؤمر فاقتلوه " قال الدارقطني : أغرب سعيد بن عامر عن جويرية بهذه الألفاظ ، وقد رواه عبد الله بن محمد بن أسماء عن عمه فلم يذكرها ، يشير إلى رواية البخاري ، قال وتابع عبد الله بن محمد إبراهيم [ ص: 208 ] بن طهمان وسعيد بن الزبير وحبيب ثلاثتهم عن مالك . قلت : وساق الثلاثة لكن رواية حبيب مختصرة والآخرين موافقتان لرواية عبد الله بن محمد بن أسماء ، وقد أخرج ابن سعد بسند صحيح من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : دخل الرهط على عمر قبل أن ينزل به ، فسمى الستة . فذكر قصة ، إلى أن قال " فإنما الأمر إلى ستة : إلى عبد الرحمن وعثمان وعلي والزبير وطلحة وسعد " وكان طلحة غائبا في أمواله بالسراة ، وهو بفتح المهملة وراء خفيفة ، بلاد معروفة بين الحجاز والشام ، فبدأ في هذه بعبد الرحمن قبل الجميع وبعثمان قبل علي ، فدل على أنه في السياق الأول لم يقصد الترتيب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فقال لهم عبد الرحمن إلخ ) تقدم بيان ذلك في " مناقب عثمان " بأتم من سياقه وفيه ما يدل على حضور طلحة ، وأن سعدا جعل أمره إلى عبد الرحمن ، والزبير إلى علي ، وطلحة إلى عثمان وفيه قول عبد الرحمن أيكم يبرأ من هذا الأمر ويكون له الاختيار فيمن بقي . فاتفقوا عليه فتروى بعد ذلك في عثمان أو علي ، وقوله : أنافسكم " بالنون والفاء المهملة أي أنازعكم فيه ، إذ ليس لي في الاستقلال في الخلافة رغبة ، وقوله : عن هذا الأمر " أي من جهته ولأجله ، وفي رواية الكشميهني : على " ، بدل " عن " وهي أوجه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم ) يعني أمر الاختيار منهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فمال الناس ) في رواية سعيد بن عامر فانثال الناس ، وهي بنون ومثلثة أي قصدوه كلهم شيئا بعد شيء وأصل " النثل " الصب يقال " نثل كنانته " أي صب ما فيها من السهام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ولا يطأ عقبه ) بفتح العين وكسر القاف بعدها موحدة أي " يمشي خلفه " وهي كناية عن الإعراض .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ومال الناس على عبد الرحمن ) أعادها لبيان سبب الميل وهو قوله : يشاورونه تلك الليالي " زاد الزبيدي في روايته عن الزهري " يشاورونه ويناجونه تلك الليالي ، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( بعد هجع ) بفتح الهاء وسكون الجيم بعدها عين مهملة أي " بعد طائفة من الليل " يقال : لقيته بعد هجع من الليل كما تقول بعد هجعة والهجع والهجعة والهجيع والهجوع بمعنى ، وقد أخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " من طريق يونس عن الزهري بلفظ " بعد هجيع " بوزن عظيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث ) كذا للأكثر وللمستملي " الليلة " ويؤيد الأول قوله في رواية سعيد بن عامر " والله ما حملت فيها غمضا منذ ثلاث " وفي رواية إبراهيم بن طهمان عند الإسماعيلي " في هذه الليالي " وقوله " بكثير نوم " بالمثلثة وبالموحدة أيضا ، وهو مشعر بأنه لم يستوعب الليل سهرا بل نام لكن يسيرا منه " والاكتحال " كناية عن دخول النوم جفن العين كما يدخلها الكحل ووقع في رواية يونس " ما ذاقت عيناي كثير النوم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فادع الزبير وسعدا ، فدعوتهما له فشاورهما ) في رواية المستملي " فسارهما " بمهملة وتشديد الراء ، ولم أر في هذه الرواية لطلحة ذكرا فلعله كان شاوره قبلهما .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 209 ] قوله ( حتى ابهار الليل ) بالموحدة ساكنة وتشديد الراء ومعناه " انتصف " وبهرة كل شيء وسطه ، وقيل معظمه وقد تقدم القول فيه في " كتاب الصلاة " زاد سعيد بن عامر في روايته " فجعل يناجيه ترتفع أصواتهما أحيانا فلا يخفى علي شيء مما يقولان ويخفيان أحيانا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ثم قام علي من عنده وهو على طمع ) أي أن يوليه ، وقوله " وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئا " قال ابن هبيرة : أظنه أشار إلى الدعاية التي كانت في علي أو نحوها ، ولا يجوز أن يحمل على أن عبد الرحمن خاف من علي على نفسه . قلت : والذي يظهر لي أنه خاف إن بايع لغيره أن لا يطاوعه ، وإلى ذلك الإشارة بقوله فيما بعد " فلا تجعل على نفسك سبيلا " ووقع في رواية سعيد بن عامر " فأصبحنا وما أراه يبايع إلا لعلي " يعني مما ظهر له من قرائن تقديمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ثم قال ادع لي عثمان ) ظاهر في أنه تكلم مع علي في تلك الليلة قبل عثمان ، ووقع في رواية سعيد بن عامر عكس ذلك ، وأنه قال له أولا " اذهب فادع عثمان " وفيه " فخلا به " وفيه " لا أفهم من قولهما شيئا " فإما أن تكون إحدى الروايتين وهما ، وإما أن يكون ذلك تكرر منه في تلك الليلة فمرة بدأ بهذه ومرة بدأ بهذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ) أي قدموا إلى مكة فحجوا مع عمر ورافقوه إلى المدينة ، وهم معاوية أمير الشام ، وعمير بن سعيد أمير حمص ، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة ، وأبو موسى الأشعري أمير البصرة ، وعمرو بن العاص أمير مصر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ) وفي رواية إبراهيم بن طهمان " جلس عبد الرحمن على المنبر " وفي رواية سعيد بن عامر " فلما صلى صهيب بالناس صلاة الصبح ، جاء عبد الرحمن يتخطى حتى صعد المنبر ، فجاءه رسول سعد يقول لعبد الرحمن : ارفع رأسك وانظر لأمة محمد وبايع لنفسك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : أما بعد ) زاد سعيد بن عامر " فأعلن عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال أما بعد ، يا علي إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان " أي لا يجعلون له مساويا بل يرجحونه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلا تجعلن على نفسك سبيلا ) أي من الملامة إذا لم توافق الجماعة ، وهذا ظاهر في أن عبد الرحمن لم يتردد عند البيعة في عثمان ، لكن قد تقدم في رواية عمرو بن ميمون التصريح بأنه " بدأ بعلي فأخذ بيده فقال : لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت ، والله عليك لئن أمرتك لتعدلن ، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق قال : ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايع له علي " وطريق الجمع بينهما أن عمرو بن ميمون حفظ ما لم يحفظه الآخر ويحتمل أن يكون الآخر حفظه لكن طوى بعض الرواة ذكره ، ويحتمل أن يكون ذلك وقع في الليل لما تكلم معهما واحد بعد واحد ، فأخذ على كل منهما العهد والميثاق ، فلما أصبح عرض على علي فلم يوافقه على بعض الشروط ، وعرض على عثمان فقبل ، ويؤيده رواية عاصم بن بهدلة عن أبي وائل قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا فقال " ما ذنبي بدأت بعلي فقلت له أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال فيما استطعت وعرضتها على عثمان فقبل " أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن سفيان بن وكيع عن أبي بكر بن عياش عنه ، وسفيان بن وكيع ضعيف . وقد أخرج أحمد [ ص: 210 ] من طريق زائدة عن عاصم عن أبي وائل قال : قال الوليد بن عقبة لعبد الرحمن بن عوف : ما لك جفوت أمير المؤمنين يعني عثمان فذكر قصة وفيها قول عثمان ، وأما قوله : سيرة عمر فإني لا أطيقها ولا هو ، وفي هذا إشارة إلى أنه بايعه على أن يسير سيرة عمر فعاتبه على تركها ويمكن أن يأخذ من هذا ضعف رواية سفيان بن وكيع إذ لو كان استخلف بشرط أن يسير بسيرة عمر لم يكن ما أجاب به عذرا في الترك ، قال ابن التين وإنما قال لعلي ذلك دون من سواه ، لأن غيره لم يكن يطمع في الخلافة مع وجوده ووجود عثمان ، وسكوت من حضر من أهل الشورى والمهاجرين والأنصار وأمراء الأجناد دليل على تصديقهم عبد الرحمن فيما قال وعلى الرضا بعثمان . قلت : وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق حارثة بن مضرب قال " حججت في خلافة عمر فلم أرهم يشكون أن الخليفة بعده عثمان " وأخرج يعقوب بن شبة في مسنده من طريق صحيح إلى حذيفة قال : قال لي عمر من ترى قومك يؤمرون بعدي . قال . قلت : قد نظر الناس إلى عثمان وشهروه لها . وأخرج البغوي في معجمه وخيثمة في " فضائل الصحابة " بسند صحيح عن حارثة بن مضرب ، حججت مع عمر فكان الحادي يحدو أن الأمير بعده عثمان بن عفان .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فقال ) أي " عبد الرحمن " مخاطبا لعثمان ( أبايعك على سنة الله وسنة رسوله والخليفتين من بعده فبايعه عبد الرحمن ) في الكلام حذف تقديره فقال : نعم ، فبايعه عبد الرحمن . وأخرج الذهلي في " الزهريات " وابن عساكر في " ترجمة عثمان " من طريقه ثم من رواية عمران بن عبد العزيز عن محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري عن الزهري عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبيه قال " كنت أعلم الناس بأمر الشورى لأني كنت رسول عبد الرحمن بن عوف " فذكر القصة وفي آخره . فقال : هل أنت يا علي مبايعي إن وليتك هذا الأمر على سنة الله وسنة رسوله وسنة الماضين قبل ؟ قال : لا ، ولكن على طاقتي ، فأعادها ثلاثا . فقال عثمان : أنا يا أبا محمد أبايعك على ذلك ، قالها ثلاثا فقام عبد الرحمن واعتم ولبس السيف فدخل المسجد ثم رقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أشار إلى عثمان فبايعه " فعرفت أن خالي أشكل عليه أمرهما فأعطاه أحدهما وثيقة ومنعه الآخر إياها ، واستدل بهذه القصة الأخيرة على جواز تقليد المجتهد ، وأن عثمان وعبد الرحمن كانا يريان ذلك بخلاف علي ، وأجاب من منعه وهم الجمهور بأن المراد بالسيرة ما يتعلق بالعدل ونحوه لا التقليد في الأحكام الشرعية . وإذا فرعنا على جواز تجزؤ الاجتهاد احتمل أن يراد بالاقتداء بهما فيما لم يظهر للتابع فيه الاجتهاد فيعمل بقولهما للضرورة ، قال الطبري : لم يكن في أهل الإسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم ، فإن قيل كان بعض هؤلاء الستة أفضل من بعض وكان رأي عمر أن الأحق بالخلافة أرضاهم دينا ، وأنه لا تصح ولاية المفضول مع وجود الفاضل ، فالجواب أنه لو صرح بالأفضل منهم لكان قد نص على استخلافه ، وهو قصد أن لا يتقلد العهدة في ذلك ; فجعلها في ستة متقاربين في الفضل ، لأنه يتحقق أنهم لا يجتمعون على تولية المفضول ، ولا يألون المسلمين نصحا في النظر والشورى ، وأن المفضول منهم لا يتقدم على الفاضل ، ولا يتكلم في منزلة وغيره أحق بها منه ، وعلم رضا الأمة بمن رضي به الستة . ويؤخذ منه بطلان قول الرافضة وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الإمامة في أشخاص بأعيانهم ، إذ لو كان كذلك لما أطاعوا عمر في جعلها شورى ، ولقال قائل منهم ما وجه التشاور في أمر كفيناه ببيان الله لنا على لسان رسوله ، ففي رضا الجميع بما أمرهم به دليل على أن الذي كان عندهم من العهد في الإمامة أوصاف من وجدت فيه [ ص: 211 ] استحقها ، وإدراكها يقع بالاجتهاد ، وفيه أن الجماعة الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد ، إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع ، لقال قائل لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة ، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا وبايعوا ، دل ذلك على صحة ما قلناه ، انتهى . ملخصا من كتاب ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                        ويتحصل منه جواب من ظن أنه يلزم منه أن عمر كان يرى جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل ، والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد ، أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط بل يضم إليه مزيد المعرفة بالسياسة مع اجتناب ما يخالف الشرع منها ، فلأجل هذا استخلف معاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل من كل منهم في أمر الدين والعلم ، كأبي الدرداء في الشام وابن مسعود في الكوفة ، وفيه أن الشركاء في الشيء إذا وقع بينهم التنازع في أمر من الأمور يسندون أمرهم إلى واحد ليختار لهم بعد أن يخرج نفسه من ذلك الأمر ، وفيه أن من أسند إليه ذلك يبذل وسعه في الاختيار ، ويهجر أهله وليله اهتماما بما هو فيه حتى يكمله ، وقال ابن المنير : في الحديث دليل على أن الوكيل المفوض له أن يوكل وإن لم ينص له على ذلك ، لأن الخمسة أسندوا الأمر لعبد الرحمن وأفردوه به فاستقل مع أن عمر لم ينص لهم على الانفراد ، قال : وفيه تقوية لقول الشافعي في المسألة الفلانية قولان ، أي انحصر الحق عندي فيهما ، وأنا في مهلة النظر في التعيين ، وفيه أن إحداث قول زائد على ما أجمع عليه لا يجوز ، وهو كإحداث سابع في أهل الشورى ، قال وفي تأخير عبد الرحمن مؤامرة عثمان عن مؤامرة علي سياسة حسنة ، منتزعة من تأخير يوسف تفتيش رحل أخيه في قصة الصاع ، إبعادا للتهمة وتغطية للحدس ، لأنه رأى أن لا ينكشف اختياره لعثمان قبل وقوع البيعة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية