الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
6721 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16279عاصم بن محمد سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16963أبي يقول قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=656607قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=31576_7649لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=16279عاصم بن محمد ) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر .
[ ص: 126 ] قوله : قال ابن عمر ) هو جد الراوي عنه .
قوله : لا يزال هذا الأمر في قريش ) أي الخلافة ، يعني لا يزال الذي يليها قرشيا .
قوله ( ما بقي منهم اثنان ) قال ابن هبيرة : يحتمل أن يكون على ظاهره وأنهم لا يبقى منهم في آخر الزمان إلا اثنان أمير ومؤمر عليه والناس لهم تبع . قلت : في رواية مسلم عن شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في هذا الحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=848298ما بقي من الناس اثنان " وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " nindex.php?page=hadith&LINKID=848298ما بقي في الناس اثنان وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى " وليس المراد حقيقة العدد ، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش ويحتمل أن يحمل المطلق على المقيد في الحديث الأول ويكون التقدير لا يزال هذا الأمر ، أي nindex.php?page=treesubj&link=7649لا يسمى بالخليفة إلا من يكون من قريش إلا أن يسمى به أحد من غيرهم غلبة وقهرا وإما أن يكون المراد بلفظ الأمر وإن كان لفظه لفظ الخبر ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض ، فإن بالبلاد اليمنية وهي النجود منها طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة ، وأما من بالحجاز من ذرية الحسن بن علي وهم أمراء مكة وأمراء ينبع من ذرية الحسين بن علي وهم أمراء المدينة فإنهم وإن كانوا من صميم قريش لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك الديار المصرية ، فبقي الأمر في قريش بقطر من الأقطار في الجملة ، وكبير أولئك أي أهل اليمن يقال له الإمام ، ولا يتولى الإمامة فيهم إلا من يكون عالما متحريا للعدل . وقال الكرماني : لم يخل الزمان عن وجود خليفة من قريش إذ في المغرب خليفة منهم على ما قيل وكذا في مصر . قلت : الذي في مصر لا شك في كونه قرشيا لأنه من ذرية العباس ، والذي في صعدة وغيرها من اليمن لا شك في كونه قرشيا لأنه من ذرية الحسين بن علي ، وأما الذي في المغرب فهو حفصي من ذرية أبي حفص صاحب ابن تومرت وقد انتسبوا إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وهو قرشي . ولحديث ابن عمر شاهد من حديث ابن عباس أخرجه البزار بلفظ " لا يزال هذا الدين واصبا ما بقي من قريش عشرون رجلا " وقال النووي : حكم حديث ابن عمر مستمر إلى يوم القيامة ما بقي من الناس اثنان ، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه إلى الآن لم تزل nindex.php?page=treesubj&link=31576_7649الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم على ذلك ، ومن تغلب على الملك بطريق الشركة لا ينكر أن الخلافة في قريش وإنما يدعي أن ذلك بطريق النيابة عنهم انتهى . وقد أورد عليه أن الخوارج في زمن بني أمية تسموا بالخلافة واحدا بعد واحد ولم يكونوا من قريش ، وكذلك ادعى الخلافة بنو عبيد وخطب لهم بمصر والشام والحجاز ولبعضهم بالعراق أيضا وأزيل الخلافة ببغداد قدر سنة ، وكانت مدة بني عبيد بمصر سوى ما تقدم لهم بالمغرب تزيد على مائتي سنة ، وادعى الخلافة عبد المؤمن صاحب ابن تومرت وليس بقرشي وكذلك كل من جاء بعده بالمغرب إلى اليوم ، والجواب عنه أما عن بني عبيد فإنهم كانوا يقولون إنهم من ذرية الحسين بن علي ولم يبايعوه إلا على هذا الوصف ، والذين أثبتوا نسبتهم ليسوا بدون من نفاه ، وأما سائر من ذكر ومن لم يذكر فهم من المتغلبين وحكمهم حكم البغاة فلا عبرة بهم وقال القرطبي : هذا الحديث خبر عن المشروعية أي nindex.php?page=treesubj&link=7649_31576لا تنعقد الإمامة الكبرى إلا لقرشي مهما وجد منهم أحد ، وكأنه جنح إلى أنه خبر بمعنى الأمر ، وقد ورد الأمر بذلك في حديث جبير بن مطعم رفعه قدموا قريشا ولا تقدموها أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث عبد الله بن حنطب ومن حديث عبد الله بن السائب مثله ، وفي نسخة أبي اليمان عن شعيب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة مرسلا أنه بلغه مثله ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من وجه آخر عن ابن شهاب أنه بلغه مثله ، وفي الباب حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رفعه الناس تبع لقريش في هذا الشأن أخرجاه في [ ص: 127 ] الصحيحين من رواية المغيرة بن عبد الرحمن ، ومسلم أيضا من رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وتقدم في مناقب قريش ، وأخرجه مسلم أيضا من رواية همام عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد من رواية أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مثله لكن قال : في هذا الأمر " وشاهده عند مسلم عن جابر كالأول ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث سهل بن سعد ، وعند أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة من حديث معاوية ، وعند البزار من حديث علي ، وأخرج أحمد من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16401عبد الله بن أبي الهزيل قال " لما قدم معاوية الكوفة قال رجل من بكر بن وائل : لئن لم تنته قريش لأجعلن هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب غيرهم ، فقال عمرو بن العاص : كذبت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=848299قريش قادة الناس " .
قال ابن المنير : وجه الدلالة من الحديث ليس من جهة تخصيص قريش بالذكر فإنه يكون مفهوم لقب ولا حجة فيه عند المحققين ، وإنما الحجة وقوع المبتدأ معرفا باللام الجنسية لأن المبتدأ بالحقيقة هاهنا هو الأمر الواقع صفة لهذا وهذا لا يوصف إلا بالجنس ، فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش ، فيصير كأنه قال : لا أمر إلا في قريش ، وهو كقوله " الشفعة فيما لم يقسم " والحديث وإن كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الأمر كأنه قال ائتموا بقريش خاصة ، وبقية طرق الحديث تؤيد ذلك ، ويؤخذ منه أن الصحابة اتفقوا على إفادة المفهوم للحصر خلافا لمن أنكر ذلك ، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم أن nindex.php?page=treesubj&link=7649_31576شرط الإمام أن يكون قرشيا ، وقيد ذلك طوائف ببعض قريش فقالت طائفة لا يجوز إلا من ولد علي وهذا قول الشيعة ثم اختلفوا اختلافا شديدا في تعيين بعض ذرية علي . وقالت طائفة يختص بولد العباس وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12149أبي مسلم الخراساني وأتباعه . ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم أن طائفة قالت : لا يجوز إلا في ولد nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب وقالت أخرى في ولد عبد المطلب ، وعن بعضهم لا يجوز إلا في بني أمية ، وعن بعضهم لا يجوز إلا في ولد عمر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : ولا حجة لأحد من هؤلاء الفرق . وقالت الخوارج وطائفة من المعتزلة : يجوز أن يكون الإمام غير قرشي ، وإنما يستحق الإمامة من قام بالكتاب والسنة سواء كان عربيا أم عجميا ، وبالغ ضرار بن عمرو فقال : تولية غير القرشي أولى لأنه يكون أقل عشيرة فإذا عصى كان أمكن لخلعه .
وقال أبو بكر بن الطيب : لم يعرج المسلمون على هذا القول بعد ثبوت حديث الأئمة من قريش وعمل المسلمون به قرنا بعد قرن وانعقد الإجماع على اعتبار ذلك قبل أن يقع الاختلاف . قلت : قد عمل بقول ضرار من قبل أن يوجد من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقطري بفتح القاف والطاء المهملة ودامت فتنتهم حتى أبادهم nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة أكثر من عشرين سنة ، وكذا تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج ممن قام على الحجاج كابن الأشعث ، ثم تسمى بالخلافة من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة وليس من قريش كبني عباد وغيرهم بالأندلس كعبد المؤمن وذريته ببلاد المغرب كلها ، وهؤلاء ضاهوا الخوارج في هذا ولم يقولوا بأقوالهم ولا تمذهبوا بآرائهم بل كانوا من أهل السنة داعين إليها . وقال عياض : اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل الإجماع ، ولم ينقل عن أحد من السلف فيها خلاف وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار ، قال : ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم من المعتزلة لما فيه من مخالفة المسلمين . قلت : ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك ، فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته " فذكر الحديث وفيه فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل الحديث nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش ، فيحتمل أن يقال : لعل الإجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيا أو تغير اجتهاد عمر في [ ص: 128 ] ذلك والله أعلم ، وأما ما احتج به من لم يعين الخلافة في قريش من تأمير عبد الله بن رواحة nindex.php?page=showalam&ids=138وزيد بن حارثة وأسامة وغيرهم في الحروب فليس من الإمامة العظمى في شيء ، بل فيه أنه يجوز للخليفة استنابة غير القرشي في حياته والله أعلم واستدل بحديث ابن عمر على عدم وقوع ما فرضه الفقهاء من الشافعية وغيرهم أنه إذا لم يوجد قرشي يستخلف كناني فإن لم يوجد فمن بني إسماعيل فإن لم يوجد منهم أحد مستجمع الشرائط فعجمي وفي وجه جرهمي وإلا فمن ولد إسحاق ، قالوا : وإنما فرض الفقهاء ذلك على عادتهم في ذكر ما يمكن أن يقع عقلا وإن كان لا يقع عادة أو شرعا . قلت والذي حمل قائل هذا القول عليه أنه فهم منه الخبر المحض وخبر الصادق لا يتخلف ، وأما من حمله على الأمر فلا يحتاج إلى هذا التأويل ، واستدل بقوله nindex.php?page=hadith&LINKID=848300قدموا قريشا ولا تقدموها وبغيره من أحاديث الباب على رجحان مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لورود nindex.php?page=treesubj&link=7649الأمر بتقديم القرشي على من ليس قرشيا .
قال عياض : ولا حجة فيها لأن المراد بالأئمة في هذه الأحاديث الخلفاء ، وإلا فقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=267سالما مولى أبي حذيفة في إمامة الصلاة ووراءه جماعة من قريش ، وقدم nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص في التأمير في كثير من البعوث والسرايا ومعهم جماعة من قريش . وتعقبه النووي وغيره بأن في الأحاديث ما يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=31576للقرشي مزية على غيره ، فيصح الاستدلال به لترجيح nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على غيره ، وليس مراد المستدل به أن الفضل لا يكون إلا للقرشي بل المراد أن كونه قرشيا من أسباب الفضل والتقدم كما أن من أسباب الفضل والتقدم الورع والفقه والقراءة والسن وغيرها ، فالمستويان في جميع الخصال إذا اختص أحدهما بخصلة منها دون صاحبه ترجح عليه فيصح الاستدلال على تقديم nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على من ساواه في العلم والدين من غير قريش لأن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قرشي ، وعجب قول القرطبي في " المفهم " بعد أن ذكر ما ذكره عياض : أن المستدل بهذه الأحاديث على ترجيح nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي صحبته غفلة قارنها من صميم التقليد طيشه ، كذا قال ولعل الذي أصابته الغفلة من لم يفهم مراد المستدل والعلم عند الله تعالى .