الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6858 حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث عشر : قوله : حدثنا إسماعيل ) هو ابن أبي أويس كما جزم به الحافظ أبو إسماعيل الهروي ، وذكر في كتابه ذم الكلام أنه تفرد به عن مالك ، وتابعه على روايته عن مالك عبد الله بن وهب كذا قال ، وقد ذكر الدارقطني معهما إسحاق بن محمد الفروي وعبد العزيز الأويسي وهما من شيوخ البخاري ، وأخرجه في غرائب مالك التي ليست في الموطأ من طرق هؤلاء الأربعة ومن طريق أبي قرة موسى بن طارق ، ومن طريق الوليد بن مسلم ، ومن طريق محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ، ثلاثتهم عن مالك أيضا فكملوا سبعة ، ولم يخرج البخاري هذا الحديث إلا في هذا الموضع من رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، وأخرجه مسلم من رواية المغيرة بن عبد الرحمن ، وسفيان وأبو عوانة من رواية ورقاء ثلاثتهم عن أبي الزناد ومسلم من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي مسلمة بن عبد الرحمن ، ومن رواية همام بن منبه ، ومن رواية أبي صالح ، ومن رواية محمد بن زياد ، وأخرجه الترمذي من رواية أبي صالح كلهم عن أبي هريرة وسأذكر ما في روايتهم من فائدة زائدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : دعوني ) في رواية مسلم " ذروني " وهي بمعنى دعوني وذكر مسلم سبب هذا الحديث من رواية محمد بن زياد فقال عن أبي هريرة خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ، ثم قال ذروني ما تركتكم الحديث وأخرجه الدارقطني مختصرا وزاد فيه فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وله شاهد عن ابن عباس عند الطبري في التفسير ، وفيه : لو قلت نعم ، لوجبت ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم الحديث وفيه فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم الآية

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 275 ] وسيأتي بسط القول فيما يتعلق بالسؤال في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ما تركتكم ) أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء ، وإنما غاير بين اللفظين لأنهم أماتوا الفعل الماضي واسم الفاعل منهما واسم مفعولهما وأثبتوا الفعل المضارع وهو " يذر " وفعل الأمر وهو " ذر " ومثله دع ويدع ولكن سمع ودع كما قرئ به في الشاذ في قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى قرأ بذلك إبراهيم بن أبي عبلة وطائفة ، وقال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                        ونحن ودعنا آل عمرو بن عامر فرائس أطراف المثقفة السمر

                                                                                                                                                                                                        .

                                                                                                                                                                                                        ويحتمل أن يكون ذكر ذلك على سبيل التفنن في العبارة ، وإلا لقال اتركوني ، والمراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه ، وعن كثرة السؤال لما فيه غالبا من التعنت ، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل ، فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة ، قال ابن فرج معنى قوله ذروني ما تركتكم لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره ، كما أن قوله " حجوا " وإن كان صالحا للتكرار فينبغي أن يكتفى بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فإن الأصل عدم الزيادة ، ولا تكثروا التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل ، إذ أمروا أن يذبحوا البقرة فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم ، وبهذا تظهر مناسبة قوله فإنما أهلك من كان قبلكم إلى آخره بقوله ذروني ما تركتكم وقد أخرج البزار وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا لو اعترض بنو إسرائيل أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ، ولكن شددوا فشدد الله عليهم وفي السند عباد بن منصور وحديثه من قبيل الحسن وأورده الطبري عن ابن عباس موقوفا وعن أبي العالية مقطوعا ، واستدل به على أن لا حكم قبل ورود الشرع وأن الأصل في الأشياء عدم الوجوب .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فإنما أهلك ) بفتحات وقال بعد ذلك سؤالهم بالرفع على أنه فاعل أهلك ، وفي رواية غير الكشميهني " أهلك " بضم أوله وكسر اللام وقال بعد ذلك " بسؤالهم " أي بسبب سؤالهم ، وقوله " واختلافهم " بالرفع وبالجر على الوجهين ، ووقع في رواية همام عند أحمد بلفظ : " فإنما هلك " وفيه بسؤالهم ويتعين الجر في " واختلافهم " وفي رواية الزهري " فإنما هلك " وفيه " سؤالهم " ويتعين الرفع في " واختلافهم " وأما قول النووي في " أربعينه " واختلافهم برفع الفاء لا بكسرها فإنه باعتبار الرواية التي ذكرها وهي التي من طريق الزهري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ) في رواية محمد بن زياد " فانتهوا عنه " هكذا رأيت هذا الأمر على تلك المقدمة والمناسبة فيه ظاهرة ، ووقع في أول رواية الزهري المشار إليها ما نهيتكم عنه فاجتنبوه فاقتصر عليها النووي في الأربعين ، وعزا الحديث للبخاري ومسلم ، فتشاغل بعض شراح الأربعين بمناسبة تقديم النهي على ما عداه ولم يعلم أن ذلك من تصرف الرواة ، وأن اللفظ الذي أورده البخاري هنا أرجح من حيث الصناعة الحديثية لأنهما اتفقا على إخراج طريق أبي الزناد دون طريق الزهري وإن كان سند الزهري مما عد في أصح الأسانيد ، فإن سند أبي الزناد أيضا مما عد فيها فاستويا ، وزادت رواية أبي الزناد اتفاق الشيخين ، وظن القاضي تاج الدين في شرح المختصر أن الشيخين اتفقا على هذا اللفظ ، فقال : بعد قول ابن الحاجب الندب أي احتج من قال إن الأمر للندب بقوله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فقال الشارح : رواه البخاري ومسلم ولفظهما وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم وهذا إنما هو لفظ مسلم وحده ولكنه اغتر بما ساقه النووي في الأربعين ، [ ص: 276 ] ثم إن هذا النهي عام في جميع المناهي ، ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله كشرب الخمر وهذا على رأي الجمهور ، وخالف قوم فتمسكوا بالعموم فقالوا : الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها ، والصحيح عدم المؤاخذة إذا وجدت صورة الإكراه المعتبرة ، واستثنى بعض الشافعية من ذلك الزنا ، فقال : لا يتصور الإكراه عليه وكأنه أراد التمادي فيه ، وإلا فلا مانع أن ينعظ الرجل بغير سبب فيكره على الإيلاج حينئذ فيولج في الأجنبية ، فإن مثل ذلك ليس بمحال ، ولو فعله مختارا لكان زانيا فتصور الإكراه على الزنا ، واستدل به من قال لا يجوز التداوي بشيء محرم كالخمر ، ولا دفع العطش به ، ولا إساغة لقمة من غص به ; والصحيح عند الشافعية جواز الثالث حفظا للنفس فصار كأكل الميتة لمن اضطر ، بخلاف التداوي فإنه ثبت النهي عنه نصا ، ففي مسلم عن وائل رفعه إنه ليس بدواء ولكنه داء ، ولأبي داود عن أبي الدرداء رفعه ولا تداووا بحرام وله عن أم سلمة ، مرفوعا إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ، وأما العطش فإنه لا ينقطع بشربها ولأنه في معنى التداوي والله أعلم ، والتحقيق أن الأمر باجتناب المنهي على عمومه ما لم يعارضه إذن في ارتكاب منهي كأكل الميتة للمضطر ، وقال الفاكهاني لا يتصور امتثال اجتناب المنهي حتى يترك جميعه ، فلو اجتنب بعضه لم يعد ممتثلا بخلاف الأمر - يعني المطلق - فإن من أتى بأقل ما يصدق عليه الاسم كان ممتثلا انتهى . ملخصا . وقد أجاب هنا ابن فرج بأن النهي يقتضي الأمر فلا يكون ممتثلا لمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدا من آحاد ما يتناوله النهي بخلاف الأمر فإنه على عكسه ومن ثم نشأ الخلاف ، هل الأمر بالشيء نهي عن ضده ، وبأن النهي عن الشيء أمر بضده .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وإذا أمرتكم بشيء ) في رواية مسلم " بأمر " ، ( فأتوا منه ما استطعتم ) أي افعلوا قدر استطاعتكم ، ووقع في رواية الزهري " وما أمرتكم به " وفي رواية همام المشار إليها " وإذا أمرتكم بالأمر فائتمروا ما استطعتم " وفي رواية محمد بن زياد " فافعلوا " قال النووي : هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام ، ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور ، وكذا الوضوء ، وستر العورة ، وحفظ بعض الفاتحة ، وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل ، والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها ، وقال غيره فيه أن من عجز عن بعض الأمور لا يسقط عنه المقدور ، وعبر عنه بعض الفقهاء بأن الميسور لا يسقط بالمعسور ، كما لا يسقط ما قدر عليه من أركان الصلاة بالعجز عن غيره ، وتصح توبة الأعمى عن النظر المحرم ، والمجبوب عن الزنا ، لأن الأعمى والمجبوب قادران على الندم فلا يسقط عنهما بعجزهما عن العزم على عدم العود ، إذ لا يتصور منهما العود عادة فلا معنى للعزم على عدمه ، واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه ، وبذلك استدل المزني على أن " ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه " ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد ، واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات ، لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك ، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة ، وهذا منقول عن الإمام أحمد فإن قيل إن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين ، كذا قيل والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعى من الاعتناء به ; بل هو من جهة الكف إذ كل أحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا ، فلا يتصور عدم الاستطاعة عن الكف بل كل مكلف قادر على الترك ، بخلاف الفعل فإن العجز عن تعاطيه محسوس ، فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي ، وعبر الطوفي [ ص: 277 ] في هذا الموضع بأن ترك المنهي عنه عبارة عن استصحاب حال عدمه أو الاستمرار على عدمه ، وفعل المأمور به عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود ، وقد نوزع بأن القدرة على استصحاب عدم المنهي عنه قد تتخلف ، واستدل له بجواز أكل المضطر الميتة ، وأجيب بأن النهي في هذا عارضه الإذن بالتناول في تلك الحالة . وقال ابن فرج في " شرح الأربعين " قوله " فاجتنبوه " هو على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه ، كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه ، والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان كما نطق به القرآن انتهى . والتحقيق أن المكلف في ذلك كله ليس منهيا في تلك الحال ، وأجاب الماوردي بأن الكف عن المعاصي ترك وهو سهل ، وعمل الطاعة فعل وهو يشق ، فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك ، والترك لا يعجز المعذور عنه ; وأباح ترك العمل بالعذر لأن العمل قد يعجز المعذور عنه ، وادعى بعضهم أن قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهي وقد قيد بالاستطاعة واستويا ، فحينئذ يكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار ، وزعم بعضهم أن قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم نسخ بقوله تعالى اتقوا الله حق تقاته والصحيح أن لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز ، واستدل به على أن المكروه يجب اجتنابه لعموم الأمر باجتناب المنهي عنه فشمل الواجب والمندوب ، وأجيب بأن قوله : فاجتنبوه " يعمل به في الإيجاب والندب بالاعتبارين ، ويجيء مثل هذا السؤال وجوابه في الجانب الآخر وهو الأمر ، وقال الفاكهاني النهي يكون تارة مع المانع من النقيض وهو المحرم ، وتارة لا معه وهو المكروه ، وظاهر الحديث يتناولهما واستدل به على أن المباح ليس مأمورا به ، لأن التأكيد في الفعل إنما يناسب الواجب والمندوب ، وكذا عكسه ، وأجيب بأن من قال المباح مأمور به لم يرد الأمر بمعنى الطلب وإنما أراد بالمعنى الأعم وهو الإذن ، واستدل به على أن الأمر لا يقتضي التكرار ولا عدمه ، وقيل يقتضيه وقيل يتوقف فيما زاد على مرة ; وحديث الباب قد يتمسك به لذلك لما في سببه أن السائل قال في الحج أكل عام ؟ فلو كان مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه لم يحسن السؤال ولا العناية بالجواب ، وقد يقال إنما سأل استظهارا واحتياطا ، وقال المازري يحتمل أن يقال : إن التكرار إنما احتمل من جهة أن الحج في اللغة قصد فيه تكرار فاحتمل عند السائل التكرار من جهة اللغة لا من صيغة الأمر ، وقد تمسك به من قال بإيجاب العمرة لأن الأمر بالحج إذا كان معناه تكرار قصد البيت بحكم اللغة والاشتقاق ، وقد ثبت في الإجماع أن الحج لا يجب إلا مرة فيكون العود إليه مرة أخرى دالا على وجوب العمرة ، واستدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الأحكام لقوله ولو قلت نعم لوجبت وأجاب من منع باحتمال أن يكون أوحي إليه ذلك في الحال ، واستدل به على أن جميع الأشياء على الإباحة حتى يثبت المنع من قبل الشارع ، واستدل به على النهي عن كثرة المسائل والتعمق في ذلك ، قال البغوي في " شرح السنة " المسائل على وجهين

                                                                                                                                                                                                        أحدهما : ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر الآية ، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                        ثانيهما : ما كان على وجه التعنت والتكلف وهو المراد في هذا الحديث والله أعلم ، ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف ، فعند أحمد من حديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي هي شداد المسائل ، وقال الأوزاعي أيضا " إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما " وقال ابن وهب : سمعت مالكا يقول " المراء في العلم [ ص: 278 ] يذهب بنور العلم من قلب الرجل " وقال ابن العربي " كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم ، فأما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع " قال " وإنه لمكروه إن لم يكن حراما إلا للعلماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك ، ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم " انتهى . ملخصا . وينبغي أن يكون محل الكراهة للعالم إذا شغله ذلك عما هو أعم منه ، وكان ينبغي تلخيص ما يكثر وقوعه مجردا عما يندر ، ولا سيما في المختصرات ليسهل تناوله والله المستعان . وفي الحديث إشارة إلى الاشتغال بالأهم المحتاج إليه عاجلا عما لا يحتاج إليه في الحال فكأنه قال : عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم بها عوضا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع . فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله ثم يجتهد في تفهم ذلك والوقوف على المراد به . ثم يتشاغل بالعمل به فإن كان من العلميات يتشاغل بتصديقه واعتقاد حقيته ، وإن كان من العمليات بذل وسعه في القيام به فعلا وتركا ، فإن وجد وقتا زائدا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع ، فأما إن كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع مع الإعراض عن القيام بمقتضى ما سمع فإن هذا مما يدخل في النهي ، فالتفقه في الدين إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال . وسيأتي بسط ذلك قريبا إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية