الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6875 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني مالك بن أوس النصري وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من ذلك فدخلت على مالك فسألته فقال انطلقت حتى أدخل على عمر أتاه حاجبه يرفا فقال هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون قال نعم فدخلوا فسلموا وجلسوا فقال هل لك في علي وعباس فأذن لهما قال العباس يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين الظالم استبا فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال الرهط قد قال ذلك فأقبل عمر على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك قالا نعم قال عمر فإني محدثكم عن هذا الأمر إن الله كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المال بشيء لم يعطه أحدا غيره فإن الله يقول ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم الآية فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم وقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حياته أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك فقالوا نعم ثم قال لعلي وعباس أنشدكما الله هل تعلمان ذلك قالا نعم ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذ وأقبل على علي وعباس تزعمان أن أبا بكر فيها كذا والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم جئتماني وكلمتكما على كلمة واحدة وأمركما جميع جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها فقلت إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها وإلا فلا تكلماني فيها فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك قال الرهط نعم فأقبل على علي وعباس فقال أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك قالا نعم قال أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث السابع : حديث مالك بن أوس في قصة العباس وعلي ومنازعتهما عند عمر في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم شرحه مستوفى في فرض الخمس والمقصود منه هنا بيان كراهية التنازع ، ويدل عليه قول عثمان ومن معه " يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر " فإن الظن بهما أنهما لم يتنازعا إلا ولكل منهما مستند في أن الحق بيده دون الآخر ، فأفضى ذلك بهما إلى المخاصمة ثم المحاكمة التي لولا التنازع لكان اللائق بهما خلاف ذلك ، وقوله في هذه الطريق " اتئدوا " بتشديد المثناة بعدها همزة مكسورة أي استمهلوا ، وقوله : أنشدكم بالله " في رواية الكشميهني " أنشدكم الله " بحذف الباء وهو جائز ، وقوله " ما احتازها " بالمهملة ثم الزاي وللكشميهني بالمعجمة ثم الراء والأول أولى ، وقوله " وكان ينفق " وللكشميهني " فكان " بالفاء وهو أولى ، وقوله " فأقبل على علي " في رواية الكشميهني " ثم أقبل " وقوله " تزعمان أن أبا بكر فيها كذا " هكذا هنا وقع بالإبهام ، وقد بينت في شرح الرواية الماضية في فرض الخمس أن تفسير ذلك وقع في رواية مسلم ، وخلت الرواية المذكورة عن ذلك إبهاما وتفسيرا ، ويؤخذ مما سأذكره عن المازري وغيره من تأويل كلام العباس ما يجاب به عن ذلك وبالله التوفيق . قال ابن بطال في أحاديث الباب ما ترجم له من كراهية التنطع والتنازع لإشارته إلى ذم من استمر على الوصال بعد النهي ، ولإشارة علي إلى ذم من غلا فيه فادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بأمور من علم الديانة دون غيره ; وإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذم من شدد فيما ترخص فيه ، وفي قصة بني تميم ذم التنازع المؤدي إلى التشاجر ونسبة أحدهما الآخر إلى قصد مخالفته ، فإن فيه إشارة إلى ذم كل حالة تئول بصاحبها إلى افتراق الكلمة أو المعاداة ، وفي حديث عائشة إشارة إلى ذم التعسف في المعاني التي خشيتها من قيام أبي بكر مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن التين معنى قوله في هذه الرواية " استبا " أي نسب كل واحد منهما الآخر إلى أنه ظلمه ، وقد صرح بذلك في هذه الرواية بقوله " اقض بيني وبين هذا الظالم " قال ولم يرد أنه يظلم الناس وإنما أراد ما تأوله في خصوص هذه القصة ولم يرد أن عليا سب العباس بغير ذلك لأنه صنو أبيه ، ولا أن العباس سب عليا بغير ذلك لأنه يعرف فضله وسابقته ، وقال المازري هذا اللفظ لا يليق بالعباس وحاشا عليا من ذلك فهو سهو من الرواة ، وإن كان لا بد من صحته فليؤول بأن العباس تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر وردعا لما يعتقد أنه مخطئ فيه ، ولهذا لم ينكره عليه أحد من الصحابة لا الخليفة ولا غيره ، مع تشددهم في إنكار المنكر ، وما ذاك إلا أنهم فهموا بقرينة الحال أنه لا يريد به الحقيقة ، ، انتهى وقد مضى بعض هذا في شرح الحديث في فرض الخمس ، وفيه أنني لم أقف في شيء من طرق هذه القصة على كلام لعلي في ذلك ، وإن كان المفهوم من قوله " استبا " بالتثنية أن يكون وقع منه في حق العباس كلام ، وقال غيره حاشا عليا أن يكون ظالما والعباس أن يكون ظالما ، بنسبة الظلم إلى علي وليس بظالم وقيل في الكلام حذف تقديره أي هذا الظالم إن لم ينصف ، أو التقدير " هذا كالظالم " وقيل هي كلمة تقال في الغضب لا يراد بها حقيقتها ، وقيل لما كان الظلم يفسر بأنه وضع الشيء في غير موضعه تناول الذنب الكبير والصغير ، [ ص: 295 ] وتناول الخصلة المباحة التي لا تليق عرفا فيحمل الإطلاق على الأخيرة والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية