الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        7005 حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو أسامة حدثني الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث السابع : حديث عدي بن حاتم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان وقوله في سنده عن خيثمة في رواية حفص بن غياث عن الأعمش : حدثني خيثمة بن عبد الرحمن كما تقدم في " كتاب الرقاق " وسياقه هناك أتم ، وسيأتي أيضا من وجه آخر عن الأعمش وقوله " ولا حجاب يحجبه ، في رواية الكشميهني : ولا حاجب ، قال ابن بطال : معنى رفع الحجاب إزالة الآفة من أبصار المؤمنين المانعة لهم من الرؤية فيرونه لارتفاعها عنهم بخلق ضدها فيهم ، ويشير إليه قوله تعالى في حق الكفار كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في شرح قوله في قصة معاذ : واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " المراد بالحاجب والحجاب نفي المانع من الرؤية كما نفى عدم إجابة دعاء المظلوم ثم استعار الحجاب للرد فكان نفيه دليلا على ثبوت الإجابة والتعبير بنفي الحجاب أبلغ من التعبير بالقبول ؛ لأن الحجاب من شأنه المنع من الوصول إلى المقصود فاستعير نفيه لعدم المنع ، ويتخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخييلية ، وهي أن يشترك شيئان في وصف ثم يعتمد لوازم أحدهما حيث تكون جهة الاشتراك وصفا فيثبت كماله في المستعار بواسطة شيء آخر فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في إثبات المشترك ، قال : وبالحمل على هذه الاستعارة التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجسم ، قال : ويحتمل أن يراد بالحجاب استعارة محسوس لمعقول ؛ لأن الحجاب حسي والمنع عقلي ، قال : وقد ورد ذكر الحجاب في عدة أحاديث صحيحة والله سبحانه وتعالى منزه عما يحجبه إذ الحجاب إنما يحيط بمقدر محسوس ، ولكن المراد بحجابه منعه أبصار خلقه وبصائرهم بما شاء متى شاء كيف شاء ، وإذا شاء كشف ذلك عنهم ، ويؤيده قوله في الحديث الذي بعده : وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه " فإن ظاهره ليس مرادا قطعا فهي استعارة جزما وقد يكون المراد بالحجاب في بعض الأحاديث الحجاب الحسي لكنه بالنسبة للمخلوقين والعلم عند الله تعالى . ونقل الطيبي في شرح حديث أبي موسى عند مسلم حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره أن فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله وأشعة عظمته وكبريائه ، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتبهت الأبصار وتتحير البصائر ، فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصدفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق إلا احترق ، ولا منظور إلا اضمحل ، وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي ، والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له بما ذكر فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل فعبر به عنه ، وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار [ ص: 441 ] الآخرة المعدة للبقاء ، والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق ؛ لأنهم هم المحجوبون عنه ، وقالالنووي : أصل الحجاب المنع من الرؤية ، والحجاب في حقيقة اللغة الستر ، وإنما يكون في الأجسام والله سبحانه منزه عن ذلك ، فعرف أن المراد المنع من رؤيته وذكر النور ؛ لأنه يمنع من الإدراك في العادة لشعاعه ، والمراد بالوجه الذات وبما انتهى . إليه بصره جميع المخلوقات ؛ لأنه سبحانه محيط بجميع الكائنات .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية