الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 510 ] القول في تأويل قوله ( وأن تستقسموا بالأزلام )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : " وأن تستقسموا بالأزلام " ، وأن تطلبوا علم ما قسم لكم أو لم يقسم ، بالأزلام .

وهو"استفعلت" من"القسم" قسم الرزق والحاجات . وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو نحو ذلك ، أجال القداح وهي"الأزلام" وكانت قداحا مكتوبا على بعضها : "نهاني ربي" ، وعلى بعضها : "أمرني ربي" فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه : "أمرني ربي" ، مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك . وإن خرج الذي عليه مكتوب : "نهاني ربي" ، كف عن المضي لذلك وأمسك ، فقيل : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم ، ومنه قول الشاعر مفتخرا بترك الاستقسام بها :


ولم أقسم فتربثني القسوم



وأما"الأزلام" ، فإن واحدها"زلم" ، ويقال : "زلم" ، وهي القداح التي وصفنا أمرها .

[ ص: 511 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

11058 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : القداح ، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر جعلوا قداحا للجلوس والخروج . فإن وقع الخروج خرجوا ، وإن وقع الجلوس جلسوا .

11059 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : حصى بيض كانوا يضربون بها .

قال أبو جعفر : قال لنا سفيان بن وكيع : هو الشطرنج .

11060 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عباد بن راشد البزار ، عن الحسن في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا ، يعمدون إلى قداح ثلاثة ، على واحد منها مكتوب : "اؤمرني" ، وعلى الآخر : "انهني" ، ويتركون الآخر محللا بينهما ليس عليه شيء . ثم يجيلونها ، فإن خرج الذي عليه" اؤمرني " مضوا لأمرهم . وإن خرج الذي عليه" انهني " كفوا ، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها .

11061 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، حجارة كانوا يكتبون عليها ، يسمونها"القداح" . [ ص: 512 ]

11062 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "بالأزلام" ، قال : القداح ، يضربون لكل سفر وغزو وتجارة .

11063 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11064 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن زهير ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كعاب فارس التي يقمرون بها ، وسهام العرب .

11065 - حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا زهير ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : سهام العرب ، وكعاب فارس والروم ، كانوا يتقامرون بها .

11066 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا ، كتب في قدح : "هذا يأمرني بالمكث" و"هذا يأمرني بالخروج" ، وجعل معهما منيحة . شيء لم يكتب فيه شيئا ، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج . فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث ، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج ، وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين .

11067 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، وكان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم خروجا ، أخذ [ ص: 513 ] قدحا فقال : "هذا يأمر بالخروج" ، فإن خرج فهو مصيب في سفره خيرا ، ويأخذ قدحا آخر فيقول : "هذا يأمر بالمكوث" ، فليس يصيب في سفره خيرا ، و"المنيح" بينهما . فنهى الله عن ذلك وقدم فيه .

11068 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كانوا يستقسمون بها في الأمور .

11069 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "الأزلام" ، قداح لهم . كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب في تلك القداح ما أراد ، فيضرب بها ، فأي قدح خرج وإن كان أبغض تلك ارتكبه وعمل به .

11070 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : "الأزلام" ، قداح كانت في الجاهلية عند الكهنة ، فإذا أراد الرجل أن يسافر ، أو يتزوج ، أو يحدث أمرا ، أتى الكاهن فأعطاه شيئا ، فضرب له بها . فإن خرج منها شيء يعجبه ، أمره ففعل . وإن خرج منها شيء يكرهه ، نهاه فانتهى ، كما ضرب عبد المطلب على زمزم ، وعلى عبد الله والإبل .

11071 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : سمعنا أن أهل الجاهلية كانوا يضربون بالقداح في الظعن والإقامة أو الشيء يريدونه ، فيخرج سهم الظعن فيظعنون ، والإقامة فيقيمون .

وقال ابن إسحاق في"الأزلام" ، ما : -

11072 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : [ ص: 514 ] كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكة ، وكانت على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة . وكانت عند هبل سبعة أقدح كل قدح منها فيه كتاب . قدح فيه : "العقل" إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ، ضربوا بالقداح السبعة ، [ فإن خرج العقل ، فعلى من خرج حمله ] وقدح فيه : "نعم" للأمر إذا أرادوه ، يضرب به ، فإن خرج قدح"نعم" عملوا به . وقدح فيه : "لا" ، فإذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح ، فإذا خرج ذلك القدح ، لم يفعلوا ذلك الأمر . وقدح فيه : "منكم" . وقدح فيه : "ملصق" . وقدح فيه : "من غيركم" . وقدح فيه : "المياه" ، إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح ، فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو أن ينكحوا منكحا ، أو أن يدفنوا ميتا ، أو شكوا في نسب واحد منهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم ، وبجزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا : "يا إلهنا ، هذا فلان بن فلان ، قد أردنا به كذا وكذا ، فأخرج الحق فيه" . ثم يقولون لصاحب القداح : "اضرب" ، فيضرب ، فإن - [ خرج عليه"منكم" كان وسيطا . وإن ] خرج عليه : "من غيركم" ، كان حليفا وإن خرج"ملصق" كان على منزلته منهم ، لا نسب له ولا حلف ، [ ص: 515 ] وإن خرج فيه شيء سوى هذا مما يعملون به"نعم" ، عملوا به . وإن خرج"لا" ، أخروه عامهم ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى . ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح .

11073 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، يعني : القداح ، كانوا يستقسمون بها في الأمور .

التالي السابق


الخدمات العلمية