الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1893 ) مسألة : قال : وليس في حلية سيف الرجل ومنطقته وخاتمه زكاة وجملة ذلك أن ما كان مباحا من الحلي ، فلا زكاة فيه إذا كان معدا للاستعمال ، سواء كان لرجل أو امرأة ; لأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح ، فأشبه ثياب البذلة وعوامل الماشية ، ويباح للرجال من الفضة الخاتم ; { لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق . } متفق عليه .

                                                                                                                                            وحلية السيف ، بأن تجعل قبيعته فضة أو تحليتها بفضة ; فإن أنسا قال : { كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة . } وقال هشام بن عروة : كان سيف الزبير محلى بالفضة . رواهما الأثرم بإسناده . والمنطقة تباح تحليتها بالفضة ; لأنها حلية معتادة للرجل ، فهي كالخاتم وقد نقل كراهة ذلك ; لما فيه من الفخر والخيلاء ، فهو كالطوق ، والأول أولى ; لأن الطوق ليس بمعتاد في حق الرجل ، بخلاف المنطقة . وعلى قياس المنطقة ، الجوشن ، والخوذة ، والخف ، والران ، والحمائل .

                                                                                                                                            وتباح الفضة في الإناء وما أشبهها ; للحاجة ، ونعني بالحاجة أنه ينتفع بها في ذلك ، وإن قام غيرها مقامها . وفي صحيح البخاري عن ، أنس { أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر ، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة . } وقال

                                                                                                                                            [ ص: 325 ] القاضي : يباح اليسير ، وإن لم يكن لحاجة . وإنما كره أحمد الحلقة في الإناء ; لأنها تستعمل . وأما الذهب ، فيباح منه ما دعت الضرورة إليه ، كالأنف في حق من قطع أنفه ; لما روي { عن عبد الرحمن بن طرفة ، أن جده عرفجة بن أسعد . قطع أنفه يوم الكلاب ، فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب . } رواه أبو داود . وقال الإمام أحمد : ربط الأسنان بالذهب إذا خشي عليها أن تسقط قد فعله الناس ، فلا بأس به عند الضرورة .

                                                                                                                                            وروى الأثرم ، عن موسى بن طلحة ، وأبي جمرة الضبعي ، وأبي رافع ، وثابت استرقوا وإسماعيل بن زيد بن ثابت ، والمغيرة بن عبد الله ، أنهم شدوا أسنانهم بالذهب . وعن الحسن ، والزهري ، والنخعي ، أنهم رخصوا فيه . وما عدا ذلك من الذهب ، فقد روي عن أحمد ، رحمه الله ، الرخصة فيه في السيف .

                                                                                                                                            قال الأثرم ، قال أحمد : قد روي أنه كان في سيف عثمان بن حنيف مسمار من ذهب ، قال أبو عبد الله فذاك الآن في السيف . وقال : إنه كان لعمر سيف سبائكه من ذهب . من حديث إسماعيل بن أمية ، عن نافع . وروى الترمذي ، بإسناده عن مزيدة العصري ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة . }

                                                                                                                                            وروي عن أحمد رواية أخرى تدل على تحريم ذلك . قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : يخاف عليه أن يسقط يجعل فيه مسمارا من ذهب ؟ قال : إنما رخص في الأسنان ، وذلك إنما هو على الضرورة ، فأما المسمار ، فقد روي : { من تحلى بخريصيصة ، كوي بها يوم القيامة } . قلت : أي شيء خريصيصة ؟ قال : شيء صغير مثل الشعيرة .

                                                                                                                                            وروى الأثرم أيضا ، بإسناده عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، قال : { من حلي ، أو تحلى بخريصيصة ، كوي بها يوم القيامة ، مغفورا له أو معذبا } . وحكي عن أبي بكر من أصحابنا ، أنه أباح يسير الذهب ، ولعله يحتج بما رويناه من الأخبار ، وبقياس الذهب على الفضة ، ولأنه أحد الثلاثة المحرمة على الذكور دون الإناث ، فلم يحرم يسيره كسائرها ، وكل ما أبيح من الحلي ، فلا زكاة فيه ، إذا كان معدا للاستعمال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية