الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة : قد آن الآن أن نذكر سبب نزول هذه الآية المكية ، وفي ذلك ثلاث روايات : الأولى : أنها نزلت في عمار بن ياسر ، وأمه سمية ، وخباب بن الأرت ، وسلمة بن هشام ، والوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمقداد بن الأسود ، وقوم أسلموا ، ففتنهم المشركون عن دينهم ، فثبت بعضهم على الإسلام ، وافتتن بعضهم ، وصبر بعضهم على البلاء ولم يصبر بعض ، فقتلت سمية ، وافتتن عمار في ظاهره دون باطنه ، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية .

                                                                                                                                                                                                              الثانية : قال عكرمة : نزلت الآية في قوم أسلموا بمكة ، ولم يمكنهم الخروج ، فلما كان يوم بدر أخرجهم المشركون معهم كرها فقتلوا . قال : وفيهم نزلت : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا } .

                                                                                                                                                                                                              الثالثة : قال مجاهد : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر [ ص: 163 ] وبلال وخباب وعمار ، وصهيب ، وسمية ، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه أبو طالب ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ، وأوقفوكم في الشمس ، فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ ، من حر الحديد والشمس ، فلما كان من العشاء أتاهم أبو جهل ، ومعه حربة فجعل يشتمهم ويوبخهم ، ثم أتى سمية فطعن بالحربة في قبلها حتى خرجت من فمها ، فهي أول شهيد استشهد في الإسلام .

                                                                                                                                                                                                              وقال الآخرون : ما سألوهم إلا بلالا ، فإنه هانت عليه نفسه ، فجعلوا يعذبونه ويقولون له : ارجع إلى ربك ، وهو يقول : أحد أحد ، حتى ملوه ، ثم كتفوه ، وجعلوا في عنقه حبلا من ليف ، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة ، حتى ملوه وتركوه ، فقال عمار : كلنا قد تكلم بالذي قالوا له ، لولا أن الله تداركنا ، غير بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، فهان على قومه ، حتى تركوه ، فنزلت هذه الآية في هؤلاء . والصحيح أن أبا بكر اشترى بلالا فأعتقه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية