الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إن شجرة الزقوم ) : قرئ بكسر الشين ، وتقدم الكلام فيها في سورة الصافات . ( طعام الأثيم ) : صفة مبالغة ، وهو الكثير الآثام ، ويقال له : أثوم ، صفة مبالغة أيضا ، وفسر بالمشرك . وقال يحيى بن سلام : المكتسب للإثم . وعن ابن زيدان : الأثيم هنا هو أبو جهل ، وقيل : الوليد . ( كالمهل ) : هو دردي الزيت ، أو مذاب الفضة ، أو مذاب النحاس ، أو عكر القطران أو الصديد ، أولها لابن عمر وابن عباس ، وآخرها لابن عباس . وقال الحسن : كالمهل ، بفتح الميم : لغة فيه . وعن ابن مسعود ، وابن عباس أيضا : المهل : ما أذيب من ذهب ، أو فضة ، أو حديد ، أو رصاص . وقرأ مجاهد ، وقتادة ، والحسن ، والابنان ، وحفص : يغلي ، بالياء ، أي الطعام . وعمرو بن ميمون ، وأبو رزين ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، [ ص: 40 ] وابن محيصن ، وطلحة ، والحسن : في رواية ، وباقي السبعة : تغلي بالتاء ، أي الشجرة . ( كغلي الحميم ) : وهو الماء المسخن الذي يتطاير من غليانه . ( خذوه فاعتلوه ) ، يقال للزبانية : خذوه فاعتلوه ، أي سوقوه بعنف وجذب . وقال الأعمش : معنى اعتلوه : اقصفوه كما يقصف الحطب إلى سواء الجحيم . قال ابن عباس : وسطها . وقال الحسن : معظمها . وقرأ الجمهور : فاعتلوه ، بكسر التاء ، وزيد بن علي ، والابنان ، ونافع : بضمها ، والخلاف عن الحسن ، وقتادة ، والأعرج ، وأبي عمرو .

( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ) : وفي الحج : يصب من فوق رءوسهم الحميم . والمصبوب في الحقيقة هو الحميم ، فتارة اعتبرت الحقيقة ، وتارة اعتبرت الاستعارة ، لأنه أذم من الحميم ، فقد صب ما تولد عنه من الآلام والعذاب ، فعبر بالمسبب عن السبب ، لأن العذاب هو المسبب عن الحميم ، ولفظة العذاب أهول وأهيب . ( ذق ) : أي العذاب ، ( إنك أنت العزيز الكريم ) ، وهذا على سبيل التهكم والهزء لمن كان يتعزز ويتكرم على قومه . وعن قتادة ، أنه لما نزلت : ( إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) ، قال أبو جهل : أتهددني يا محمد ، وإن ما بين لابتيها أعز مني ولا أكرم ، فنزلت هذه الآية ، وفي آخرها : ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) ، أي على قولك ، وهذا كما قال جرير :


ألم تكن في رسوم قد رسمت بها من كان موعظة يا زهرة اليمن

يقولها لشاعر سمى نفسه به في قوله :


أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها     إني الأعز وإني زهرة اليمن

فجاء بها جرير على جهة الهزء . وقرئ : إنك ، بكسر الهمزة . وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب على المنبر ، والكسائي بفتحها : أن هذا . أي الأمر أو العذاب ، ( ما كنتم به تمترون ) : أي تشكون . ولما ذكر حال الكفار أعقبه بحال المؤمنين فقال : ( إن المتقين في مقام أمين ) . وقرأ عبد الله بن عمر ، وزيد بن علي ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، والحسن ، وقتادة ، ونافع ، وابن عامر : في مقام ، بضم الميم ، وأبو رجاء ، وعيسى ، ويحيى ، والأعمش ، وباقي السبعة : بفتحها . ووصف المقام بالأمين ، أي يؤمن فيه من الغير ، فكأنه فعيل بمعنى مفعول ، أي مأمون فيه ، قاله ابن عطية . وقال الزمخشري : الأمين ، من قولك : أمن الرجل أمانة ، فهو أمين ، وهو ضد الخائن ، فوصف به المكان استعارة ، لأن المكان المخيف كان يخوف صاحبه بما يلقى فيه من المكاره . وتقدم شرح السندس والإستبرق . وقرأ ابن محيصن : ( وإستبرق ) ، جعله فعلا ماضيا . ( متقابلين ) : وصف لمجالس أهل الجنة ، لا يستدبر بعضهم بعضا في المجالس . ( كذلك ) : أي الأمر كذلك . وقرأ الجمهور : ( بحور ) ، منونا ، وعكرمة : بغير تنوين ، لأن العين تقسمن إلى حور وغير حور ، فهؤلاء من حور العين ، لا من شهلن مثلا . ( يدعون فيها ) : أي الخدم والمتصرفين عليهم ، ( بكل فاكهة ) أرادوا إحضارها لديهم ، ( آمنين ) من الأمراض والتخم . ( لا يذوقون فيها الموت ) . وقرأ عبيد بن عمير : لا يذاقون ، مبنيا للمفعول . ( إلا الموتة الأولى ) : هذا استثناء منقطع ، أي لكن الموتة الأولى ذاقوها في الدنيا ، وذلك تنبيه على ما أنعم به عليهم من الخلود السرمدي ، وتذكير لهم بمفارقة الدنيا الفانية إلى هذه الدار الباقية . وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ؟ قلت : أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة ، فوضع قوله : ( إلا الموتة الأولى ) موضع ذلك ، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل ، فإنهم يذوقونها . وقال ابن عطية : قدر قوم ( إلا ) بسوى ، وضعف ذلك الطبري وقدرها ببعد ، وليس تضعيفه بصحيح ، بل يصح المعنى بسوى ويتسق . وأما معنى الآية ، فتبين أنه نفى عنهم ذوق الموت ، وأنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا . وقرأ أبو حيوة : ( ووقاهم ) ، مشددا بالقاف ، والضمير في ( يسرناه ) عائد على القرآن ، و ( بلسانك ) : بلغتك ، وهي لغة العرب .

[ ص: 41 ] ( فارتقب ) النصر الذي وعدناك ( إنهم مرتقبون ) فيما يظنون الدوائر عليك وفيها وعد له عليه السلام ووعيد لهم ومتاركة منسوخة بآيات السيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية