الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الرابع : معرفة قدر الغرض طوله ، وعرضه ، وسمكه ، وارتفاعه من الأرض ، وإن تشاحا في المبتدئ بالرمي أقرع بينهما ، وقيل : يقدم من له مزية بإخراج السبق . وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني ، والسنة أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني ، وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهم خواصل احتسب به ، وإن كان خواسق لم يحتسب له به ولا عليه . وإن عرض عارض من كسر قوس ، أو قطع وتر ، أو ريح شديدة لم يحتسب عليه بالسهم ، وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي ، ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما لما فيه من كسر قلب صاحبه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الرابع : معرفة قدر الغرض طوله ، وعرضه ، وسمكه ، وارتفاعه من الأرض ) لأن الإصابة تختلف باختلاف ذلك ، فوجب العلم به ، أشبه تعيين النوع ، والغرض ما تقصد إصابته من قرطاس ، أو جلد ، أو خشب ، وسمي غرضا ; لأنه يقصد ، وقال الأزهري : ما نصب في الهدف فهو القرطاس ، وما نصب في الهواء فهو الغرض ، وفسره الجوهري بالهدف الذي يرمي فيه ، وفي بعض النسخ " وطوله " بالواو ، والصواب حذفها ، وفي " المحرر " ولا بد من معرفة الغرض صفة ، وقدرا ; لأن قدر الغرض هو طوله ، وعرضه ، وسمكه ( وإن تشاحا في المبتدئ بالرمي أقرع بينهما ) في قول الأكثر لأنهما متساويان في الاستحقاق ، فيصار إليهما كما لو تنازع المتقاسمان في استحقاق سهم معين ( وقيل : يقدم من له مزية بإخراج السبق ) لأن له نوعا من الترجح ، فيجب أن يقدم به ، فعلى هذا [ ص: 135 ] إن كان العوض من أحدهما قدم صاحبه ، وإن كان من أجنبي قدم من يختاره منهما ، فإن لم يختر أقرع وصحح صاحب النهاية أنه لا يبتدئ أحدهما إلا بقرعة ; لأن العقد موضوع على أن لا يفضل صاحب السبق على صاحبه ، واختار في " الترغيب " يعتبر ذكر المبتدئ به ( وإذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني ) تعديلا بينهما ، فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح ، فإن فعلا ذلك بغير شرط برضاهما جاز ، وإن شرطا أن يبدأ كل واحد منهما من وجهين متواليين جاز ، ويحتمل أن يكون اشتراط البداءة في كل موضع غير لازم ولا يؤثر في العقد ( والسنة أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني ) لفعل الصحابة رضي الله عنهم ، وقد روي مرفوعا : ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة ، ويروى أن الصحابة كانوا يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا جاء الليل كانوا رهبانا ، ويكفي غرض واحد ; لأن المقصود يحصل به وهو عادة أهل عصرنا .

                                                                                                                          فرع : إذا تشاحا في الوقوف كأن يستقبل أحدهما الشمس والآخر يستدبرها قدم قول من يستدبرها ; لأنه العرف إلا أن يكون بينهما شرط ، فيعمل به ، ولو قصد أحدهما التطويل منع منه ( وإذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإن كان شرطهم خواصل احتسب به ) لأنه لو بقي الغرض موضعه لأصابه ( وإن كان خواسق لم يحتسب له به ولا عليه ) في قول أبي الخطاب لأنا لا ندري هل يثبت في الغرض لو كان موجودا أو لا ، وقال القاضي : ينظر فإن كانت صلابة الهدف كصلابة الغرض ، فثبت في الهدف احتسب له به ، وإن لم يثبت [ ص: 136 ] فيه مع التساوي لم يحتسب ، وإن كان الهدف أصلب فلم يثبت فيه لو كان رخوا لم يحتسب السهم له ولا عليه ، فإن وقع السهم في غير موضع الغرض احتسب به على راميه ، وكذا الحكم إذا ألقت الريح الغرض على ، وجهه ( وإن عرض عارض من كسر قوس ، أو قطع وتر ، أو ريح شديدة لم يحتسب عليه بالسهم ) لأن خطأه لعارض لا لسوء رميه ، وفيه وجه ، والأشهر : ولا له ، قاله في " المغني " تبعا للقاضي ، ولو أصاب ; لأن الريح الشديدة كما يجوز أن تصرف الرمي الشديد فيخطئ يجوز أن يصرف السهم المخطئ عن خطئه فيصيب فتكون إصابته بالريح لا بحذق رميه ، فأما إن وقع السهم من حائل فخرقه ، وأصاب الغرض حسب له ; لأن إصابته لسداد رميه فهو أولى ، فلو كانت الريح لينة لا ترد السهم عادة لم تمنع ; لأن الجو لا يخلو من ريح مع أنها لا تؤثر إلا في الرمي الرخو ( وإن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي ) لأن المطر يرخي الوتر ، والظلمة عذر لا يمكن معه فعل المعقود عليه ، ولأن العادة الرمي نهارا إلا أن يشترطاه ليلا ( ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما ) أي مدح المصيب ( لما فيه من كسر قلب صاحبه ) أي المخطئ ، وحرمه ابن عقيل ، قال في " الفروع " : ويتوجه يجوز مدح المصيب ، ويكره عيب غيره ، ويتوجه في شيخ العلم وغيره مدح المصيب من الطلبة وعيب غيره كذلك .




                                                                                                                          الخدمات العلمية