الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 145 ] وإن شرط نفي ضمانها ، وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونا بشرطه ، وما كان مضمونا لا ينتفي ضمانه بشرطه ، وعن أحمد أنه ذكر له ذلك ، فقال : المسلمون على شروطهم ، فيدل على نفي الضمان بشرطه ، وإن تلفت أجزاؤها بالاستعمال ، كحمل المنشفة ، فعلى وجهين وليس للمستعير أن يعير ، فإن فعل ، فتلف عند الثاني ، فللمالك تضمين أيهما شاء ، ويستقر الضمان على الثاني ، وعلى المستعير مؤنة رد العارية ، فإن رد الدابة إلى إصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ من الضمان ، إلا أن يردها إلى من جرت العادة بجريان ذلك على يده كالسائس ونحوه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن شرط نفي ضمانها ) أي لم يسقط ; لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع .

                                                                                                                          ( وكل ما كان أمانة ) كالوديعة ( لا يصير مضمونا بشرطه ، وما كان مضمونا لا ينتفي ضمانه بشرطه ) لأن العقد إذا اقتضى شيئا فشرط غيره ، يكون شرطا لشيء ينافي مقتضى العقد فلم يصح ، كما لو شرط في المبيع أن لا يبيعه ( وعن أحمد أنه ذكر له ذلك ، فقال : المسلمون على شروطهم ، فيدل على نفي الضمان بشرطه ) قال أبو الخطاب : أومأ إليه أحمد ، واختاره أبو حفص ، والشيخ تقي الدين ; لأنه لو أذن في إتلافها لم يجب ضمانها ، فكذا إذا سقط عنه ضمانها ، وعنه : إن لم يشرط نفيه ، جزم به في " التبصرة " ( وإن تلفت أجزاؤها بالاستعمال ) أي : بانتفاع معروف ( كحمل المنشفة ، فعلى وجهين ) أصحهما لا يضمن ; لأن الإذن في الاستعمال تضمن الإذن في الإتلاف ، وما أذن في إتلافه لا يضمن كالمنافع ، والثاني : بلى ; لأنها أجزاء مضمونة ، لو تلفت العين قبل استعمالها فوجب أن يضمن بتلفها بالاستعمال كسائر الأجزاء ، ورد بالفرق ، فإنها لا تتميز من العين ، ومقتضى ذلك أنه إذا تلف شيء من أجزائها الذي لا يذهب بالاستعمال أنه يضمنه ; لأن ما ضمنت جملته ضمنت أجزاؤه كالمغصوب ، وكذا لو تلف جزؤها باستعمال غير مأذون فيه ، كاستعارة ثوب في لبس ، فحمل فيه ترابا ; لأنه تلف بتعديه ، أما ما تلف بطول الزمان فهو كالذي تلف بالاستعمال ; لأنه تلف بالإمساك المأذون فيه ، أشبه تلفه بالفعل المأذون فيه .

                                                                                                                          تنبيه : الخلاف جار في ولد العارية وزيادتها ، والأصح أنه لا يضمن ; لأنه [ ص: 146 ] لم يدخل فيها ، ولا فائدة للمستعير فيه ، وكذا تجري في ولد مؤجرة ووديعة ، ويصدق المستعير في عدم التعدي حيث لا بينة .

                                                                                                                          ( وليس للمستعير أن يعير ) لأنها إباحة المنفعة ، فلم يجز أن يبيحها غيره كإباحة الطعام ، قاله في " المغني " ، و " الشرح " ، وليس بظاهر على القول بأنها هبة منفعة ، بل الانتفاع بها مستفاد بالإذن لا بطريق المعاوضة ، وهو يختلف ، وقيل : له ذلك ; لأنه يملكه على حسب ما ملكه ، فجاز كإيجار المستأجر ، قال في " الشرح " وحكاه صاحب " المحرر " قولا لأحمد ، قال : ويحتمل أن يكون مذهبا لأحمد في العارية المؤقتة بناء على أنه إذا أعاره أرضه سنة ليبني فيها ، لم يحل له الرجوع قبل السنة ; لأنه قدر المنفعة كالمستأجر ، وأطلق في " الفروع " الخلاف ، أصلهما هل هي هبة منفعة ، أو إباحة ، ويتوجه عليهما تعليقها بشرط ، وفي " المنتخب " يصح ، قال في " الترغيب " : يكفي ما دل على الرضى من قول أو فعل ( فإن فعل ) فلمالكها الرجوع بأجرة مثلها على من شاء منهما ; لأن الأول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه ، والثاني استوفاه بغير إذنه ، فإن ضمن الأول رجع على الثاني ; لأن الاستيفاء حصل منه ، وإن ضمن الثاني لم يرجع على الأول إلا أن لا يعلم بالحال ( فتلف عند الثاني ، فللمالك تضمين أيهما شاء ) لتعدي كل منهما ( ويستقر الضمان على الثاني ) إذا كان عالما بالحال ; لأن التلف حصل في يده ، وإلا ضمن العين دون المنفعة ، ويستقر ضمان المنفعة على الأول ( وعلى المستعير مؤنة رد العارية ) لما تقدم من قوله : على اليد ما أخذت حتى تؤديه ، وإذا كانت واجبة الرد وجب أن تكون مؤنة الرد على من يجب عليه الرد ، ومؤنة [ ص: 147 ] عينها على المعير ، قاله في " شرح الهداية " ، و " الرعاية " وذكر الحلواني أن نفقتها على المستعير ، وإليه ميل الشيخ تقي الدين ، وقال : لا أعرف فيها نقلا ، وخرجها على الخلاف في نفقة الجارية الموصى بنفعها فقط ، وحينئذ يجب ردها إلى المعير أو وكيله في قبضها ( فإن رد الدابة إلى إصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ من الضمان ) لأنه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه فيها ، فلم يبرأ كالأجنبي ، واختار ابن حمدان أنه يبرأ بردها إلى غلامه ( إلا أن يردها إلى من جرت العادة بجريان ذلك على يده كالسائس ) لأنه مأذون فيه عرفا ، أشبه صريح الإذن ، وخالف الحلواني فيه كالغلام ( ونحوه ) كزوجته ، وخازن ، ووكيل عام في قبض حقوقه ، قاله في " المجرد " .



                                                                                                                          مسألة : إذا قال : ما أركبها إلا بأجرة ، فقال ربها : ما آخذ لها أجرة ، ولا عقد بينهما ، فعارية ، ولو أركب دابته منقطعا لم يضمن في الأشهر ، وكذا رديف ، وقيل : يضمن نصف القيمة ، ولو سلم شريك شريكه الدابة ، فتلفت بلا تفريط ولا تعد لم يضمن ، فإن ساقها فوق العادة ضمن ، قاله شيخنا ، ويتوجه كعارية إن كان عارية وإلا لم يضمن ، ذكره في " الفروع " فعليه إن سلمها إليه ليعلفها ويقوم بمصلحتها ونحوه ، لم يضمن ، وإن سلمها إليه لركوبها لمصالحه وقضاء حوائجه عليها فعارية .




                                                                                                                          الخدمات العلمية