الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : { غسق الليل } : فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : إقبال ظلمته .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : اجتماع ظلمته .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : مغيب الشفق .

                                                                                                                                                                                                              وقد قيدت عن بعض العلماء أن الدلوك إنما سمي به ; لأن الرجل يدلك عينيه إذا نظر إلى الشمس فيه ، أما في الزوال فلكثرة شعاعها ، وأما في الغروب فليتبينها ، وهذا لو نقل عن العرب لكان قويا ، وقد قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                              هذا مقام قدمي رباح حتى يقال دلكت براح

                                                                                                                                                                                                              كقوله قطام وجذام ، وفي ذلك كلام .

                                                                                                                                                                                                              وقد روى مالك في الموطإ عن ابن عباس أنه قال : دلوك الشمس ميلها . وغسق [ ص: 210 ] الليل اجتماع الليل وظلمته ورواية مالك عنه أصح من رواية غيره ، وهو اختيار مالك في تأويل هذه الآية . وقد روي أن ابن مسعود صلى المغرب والناس يتمارون في الشمس لم تغب ، فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : نرى أن الشمس لم تغب . قال : هذا والذي لا إله غيره وقت هذه الصلاة ، ثم قرأ : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } ; قال : وهذا دلوك الشمس ، وهذا غسق الليل . وتحقيق ذلك : أن الدلوك هو الميل ، وله أول عندنا وهو الزوال ، وآخر وهو الغروب ، وكذلك الغسق هو الظلمة ، ولها ابتداء وانتهاء ، فابتداؤها عند دخول الليل ، وانتهاؤها عند غيبوبة الشفق ، فرأى مالك أن الآية تضمنت الصلوات الخمس ، فقوله : دلوك الشمس يتناول الظهر والعصر ، وقوله : { غسق الليل } اقتضى المغرب والعشاء ، وقوله : { قرآن الفجر } اقتضى صلاة الصبح ، وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : وسمى صلاة الصبح قرآنا ليبين أن ركن الصلاة ومقصودها الأكبر الذكر بقراءة القرآن ، ولقوله تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } ; معناه صلوا على ما يأتي بيانه إن شاء الله ، أطول الصلوات قراءة ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : { قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، يقول العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله : حمدني عبدي } . { ويقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي علمه الصلاة : اقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر معك من القرآن } ، معناه صلوا على ما يأتي بيانه ، إن شاء الله ، وهي أطول الصلوات قراءة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية