الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : رجل أهل بعمرة في أشهر الحج ، ثم أفسدها بالجماع فلما فرغ منها أهل بأخرى ينوي قضاءها ، ثم حج من عامه لم يكن متمتعا أما بالعمرة الأولى فلأنه أفسدها بالجماع والتمتع بالعمرة الفاسدة لا يكون ، وأما بالثانية فلأنه أحرم لها من غير الميقات ، والمتمتع من تكون عمرته ميقاتية وحجته مكية ، ولأنه لما دخل مكة بالعمرة الفاسدة صار بمنزلة أهل مكة ، وإن كان حين [ ص: 186 ] فرغ من العمرة الفاسدة خرج من مكة حتى جاوز المواقيت ، ثم أهل بعمرة في أشهر الحج ، ثم حج من عامه ذلك ، فإن كان جاوز الوقت قبل أشهر الحج كان متمتعا ; لأنه بمجاوزة الميقات صار في حكم من لم يدخل مكة فإذا اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه فقد أتى بعمرة ميقاتية وحجة مكية فكان متمتعا ، وإن لم يجاوز الوقت إلا في أشهر الحج فليس بمتمتع ; لأن أشهر الحج لما دخلت ، وهو داخل الميقات حرم عليه التمتع كما هو حرام على أهل مكة ومن هو داخل الميقات فلا تنقطع هذه الحرمة بخروجه من الميقات بعد ذلك في حق المكي ومن هو داخل الميقات ، فإن كان دخوله الأول في أشهر الحج بعمرة فأفسدها وأتمها مع الفساد ، ثم رجع إلى أهله ، ثم عاد فقضاها وحج من عامه ذلك لم يكن متمتعا ; لأن سفره الأول قد انقطع برجوعه إلى أهله فصار كأن لم يوجد فالمعتبر سفره الثاني ، وقد أدى النسكين في هذا السفر بصفة الصحة فكان متمتعا .

وإن رجع إلى بلدة أخرى ، ثم عاد فقضى عمرته وحج من عامه لم يكن متمتعا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى بناء على الأصل الذي قررنا أنه ما لم يصل إلى بلدته فهو في الحكم كأن لم يخرج من مكة فلا يكون متمتعا وعندهما يكون متمتعا ; لأن من أصلهما أن بخروجه من الميقات انقطع حكم ذلك السفر في حق التمتع بمنزلة ما لو رجع إلى بلدته فإذا عاد معتمرا وحج من عامه كان متمتعا لأداء النسكين في سفر واحد صحيحا . وإن دخل بعمرة فاسدة في أشهر الحج فقضاها ، ثم خرج حتى جاوز الميقات ، ثم قرن عمرة وحجة كان قارنا ; لأن أكثر ما فيه أن كحال المكي متى حصل بمكة بالعمرة الفاسدة ، وقد بينا أن المكي إذا خرج من الميقات ، ثم قرن حجة وعمرة كان قارنا فهذا مثله ، ولو قضى عمرته الفاسدة ، ثم أهل من مكة بعمرة وبحجة فإنه يرفض العمرة ; لأنه متى حصل بمكة بعمرة فاسدة فهو بمنزلة مكي محرم بهما ، وقد بينا أن المكي يرفض العمرة إذا أحرم بهما كذلك هنا ، ولو كان أهل بعمرة في أشهر الحج فطاف لها شوطا ، ثم أهل بحجة فهو على الخلاف الذي ذكرناه في حق المكي أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يرفض الحج لتأكد إحرام العمرة بالطواف وعندهما يرفض العمرة على ما مر ; لأنه لما لم يطف لها أربعة أشواط فهو بمنزلة من لم يطف لها شيئا وإذا ترك المكي أو الكوفي ميقات الإحرام في العمرة وطاف لها شوطا ، ثم أراد أن يلبي من الوقت لم ينفعه ، ولم يسقط عنه الدم ; لأن إحرامه وراء الميقات قد تأكد بالطواف فهو ، وإن عاد إلى الميقات ولبى فلم يصر متداركا لما فاته في وقته فلا يسقط عنه الدم . [ ص: 187 ] ألا ترى أنه إذا عاد لا يمكن أن يجعل كالمنشئ للإحرام الآن ; لأن ما تقدم من الطواف محسوب له وكيف يجعل كالمنشئ الآن وطوافه قبل ذلك محسوب فلهذا لا يسقط عنه الدم ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية