الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الخامس : في وقت العشاء

                                                                                                                والعشاء بكسر العين ممدودا : أول الظلام ، وعتمة الليل ثلثه وظلمته [ ص: 17 ] واعتم القوم إذا ساروا حينئذ ، والعتمة أيضا الإبطاء ، وروي عن بعض السلف أنه كان يغضب ، ويصيح إذا سمع من يسميها العتمة ، ويقول : إنما هي العشاء لما في مسلم أنه عليه السلام قال : لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ; فإنها في كتاب الله تعالى العشاء وإنما تعتم بحلاب الإبل والسهر في ذلك أن العادة أن العظماء إذا سموا شيئا باسم لا يليق العدول عنه لما فيه من تنقيصهم ، والرغبة عن صنيعهم والله تعالى أعظم العظماء قد سماها العشاء في قوله تعالى : ( عشاء يبكون ) ( ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ) . وفي الموطأ عنه عليه السلام : لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ، ولو حبوا . وهذا يقتضي الجواز وأول وقتها مغيب الشفق وهو الحمرة دون البياض لقول العرب : هذا الثوب أشد حمرة من الشفق ، ولو كان البياض لما صح ذلك الكلام . وفي الجواهر لا تعتبر الصفرة أيضا قال صاحب الطراز ، وروى ابن القاسم عنه أيضا : أن البياض الذي يشك فيه مع الحمرة ، وقال أبو حنيفة : مغيب البياض لما في أبي داود أنه - عليه السلام - كان يصليها لمغيب القمر لثلاث وهذا ربع الليل ، ويعضده قوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ) والغسق : اجتماع الظلمة ، ولأنها عبادة متعلقة بأحد النيرين ، [ ص: 18 ] فيتعلق بالثاني منهما ، أصله صلاة الصبح مع الفجرين ، ولأن الشفق من الشفقة وهي رقة القلب فكلما كان أرق كان أولى بالاسم ، والبياض أرق من الحمرة ، ولأنه سبب لصلاة ضرورية من الدين وسبب الضروري لا يثبت إلا بيقين ، والجواب عن الأول : أنه معارض بحديث جبريل ، وعن الثاني : أنه بيان للغاية ونحن نقول به ، وعن الثالث : أنه عبادة متعلقة بأحد النيرين فيتعلق بأقربهما إلى الشمس ، أصله الصبح ، وعن الرابع : أنه معارض بما في الموطأ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : الشفق الحمرة فإذا غاب فقد وجبت الصلاة ، وعن الخامس : أنه باطل بإثباتهم آخر وقت العشاء إلى الفجر بغير نص ولا إجماع بل أكثر العلماء على خلافهم ، وكذلك أثبتوا وقت المغرب إلى الشفق ووقت الظهر آخر القامتين ، والجمهور على خلاف ذلك ، وفي الكتاب يمتد وقتها الاختياري إلى ثلث الليل ، وكذلك عند الشافعي ، وعند ابن حبيب إلى نصف الليل ، وعند أبي حنيفة الليل كله ، وعند النخعي ربع الليل . حجة الثلث : حديث جبريل ، حجة النصف : رواية فيه وما في الموطأ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى أبي موسى الأشعري : أن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل ، فإن أخرت فإلى نصف الليل ، ولا تكن من الغافلين .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية