الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
112 - قوله: (ص): "فعلل قوم رواية اللفظ المذكور (يعني نفي القراءة) لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين......." إلى آخره.

يعني بذلك الدارقطني ، فإنه السابق إلى ذلك فقال: إن المحفوظ عن قتادة من رواية عامة أصحابه عنه كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.

قال: وهو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس - رضي الله عنه - وتبعه الخطيب والبيهقي .

وفي ذلك نظر، لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى مع إمكان الجمع بينهما، وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة ؟

قال أحمد - في مسنده – ثنا وكيع ، ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ: فكانوا "لا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم)" .

وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة في صحيحه من طريق غندر ، عن [ ص: 767 ] شعبة ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ولفظه: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)". ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان - رضي الله عنه - .

وقال ابن حبان في صحيحه : ثنا الصوفي وغيره. ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة وشيبان ، عن قتادة : سمعت أنس بن مالك يقول: "صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعثمان - رضي الله عنه - فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم)" .

ورواهن الدارقطني ، عن البغوي عن علي بن الجعد بهذا.

[ ص: 768 ] وبوب عليه ابن حبان في صحيحه "باب الخبر المدحض" قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه قتادة من أنس - رضي الله عنه - .

وكذا رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح، ورواه عن شعبة جماعة حفاظ أصحابه هكذا ورواه آخرون عن بلفظ الافتتاح، فيظهر أن قتادة كان يرويه على الوجهين وكذلك شعبة ومن أدل دليل على ذلك أن يونس بن حبيب رواه في مسند أبي داود الطيالسي عنه عن شعبة بلفظ الافتتاح.

ورواه محمد بن المثنى ويحيى بن أبي طالب عنه بلفظ عدم الجهر - فالله أعلم - .

[شاهد لحديث أنس :]

ويشهد لحديث أنس - رضي الله عنه - المذكور حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله تعالى عنه - الذي حسنه الترمذي ولفظه: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - فلم أسمع أحدا منهم يقولها.

ورواه النسائي بلفظ: كان عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - إذا سمع أحدا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يقول: صليت خلف النبي - صلى الله [ ص: 769 ] عليه وسلم - وخلف أبي بكر وخلف عمر - رضي الله عنهم - فما سمعت أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.

وهو حديث حسن، لأن رواته ثقات ولم يصب من ضعفه بأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يسم.

فقد ذكره البخاري في "تأريخه" فسماه: يزيد. ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحا، فهو مستور اعتضد حديثه، وقد احتج أصحابنا وغيرهم بما هو دون ذلك.

ويعضد ذلك - أيضا - ما رواه الإسماعيلي في مسند زيد بن أبي أنيسة بسنده الصحيح إليه، عن عمرو بن مرة ، عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلما صف الناس كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم قرأ بفاتحة الكتاب ولم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" . وأصل الحديث في "السنن" وغيرها بغير هذا السياق. ومما يدل على ثبوت أصل البسملة في أول القراءة في الصلاة ما رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وغيرهم من رواية نعيم المجمر قال:

[ ص: 770 ] "صليت خلف أبي هريرة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، فذكر الحديث وفي آخره فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث صحيح لا علة له.

ففي هذا رد على من نفاها البتة وتأييد لتأويل الشافعي - رضي الله عنه - لكنه غير صحيح في ثبوت الجهر، لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - حال مخافته لقربه منه، فبهذه تتفق الروايات كلها.

تنبيه:

استدل ابن الجوزي على أن البسملة ليست من أول السورة بحديث رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من طريق عباس الجشمي ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي تبارك الذي بيده الملك.

قال ابن الجوزي : لا يختلف العادون أنها ثلاثون آية من غير البسملة.

هكذا استدل به، ولا دلالة فيه، لأن من عادة العرب حذف الكسور، وقد ورد ذلك في حديث مصرح به في "المسند" - أيضا - هو حديث ابن [ ص: 771 ] مسعود - رضي الله عنه - قال: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة من آل حم قال: يعني الأحقاف، قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين.

التالي السابق


الخدمات العلمية