الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  [ ص: 6 ] (الثالثة) قد قال الحاكم الأحاديث المروية بهذه الشريطة لم يبلغ عددها عشرة آلاف حديث وقد خالفا شرطهما فقد أخرجا في الصحيحين حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: "إنما الأعمال بالنيات" ولا يصح إلا فردا كما سيأتي إن شاء الله تعالى وحديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب في وفاة أبي طالب ولم يرو عنه غير ابنه سعيد وأخرج مسلم حديث حميد بن هلال عن أبي رفاعة العدوي ولم يرو عنه غير حميد، وقال ابن الصلاح: وأخرج البخاري حديث الحسن البصري عن عمرو بن ثعلب: " إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي" لم يرو عنه غير الحسن قلت: فقد روى عنه أيضا الحكم بن الأعرج نص عليه ابن أبي حاتم، وأخرج أيضا حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي: "يذهب الصالحون الأول فالأول" ولم يرو عنه غير قيس قلت: فقد روى عنه أيضا زياد بن علاقة كما ذكره ابن أبي حاتم، وأخرج مسلم حديث عبد الله بن الصامت عن رافع بن عمرو الغفاري ولم يرو عنه غير عبد الله قلت: ففي الغيلانيات من حديث سليمان بن المغيرة ثنا ابن حكم الغفاري حدثني جدي عن رافع بن عمرو فذكر حديثا، وأخرج حديث أبي بردة عن الأغر المزني (إنه ليغان على قلبي) ولم يرو عنه غير أبي بردة قلت: قد ذكر العسكري أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما روى عنه أيضا وروى عنه معاوية بن قرة أيضا، وفي معرفة الصحابة لابن قانع قال ثابت البناني: عن الأغر أغر مزينة وأغرب من قول الحاكم قول الميانشي في (إيضاح ما لا يسع المحدث جهله) شرطهما في صحيحيهما ألا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما وذلك ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان من الصحابة فصاعدا وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة.

                                                                                                                                                                                  والظاهر أن شرطهما اتصال الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من مبتداه إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.

                                                                                                                                                                                  (الرابعة) جملة ما فيه من الأحاديث المسندة سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة وبحذفها نحو أربعة آلاف حديث، وقال أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشي: الذي اشتمل عليه كتاب البخاري من الأحاديث سبعة آلاف وستمائة ونيف قال: واشتمل كتابه وكتاب مسلم على ألف حديث ومائتي حديث من الأحكام فروت عائشة رضي الله تعالى عنها من جملة الكتاب مائتين ونيفا وسبعين حديثا لم تخرج غير الأحكام منها إلا يسيرا قال الحاكم: فحمل عنها ربع الشريعة ومن الغريب ما في كتاب الجهر بالبسملة لابن سعد إسماعيل بن أبي القاسم البوشنجي نقل عن البخاري أنه صنف كتابا أورد فيه مائة ألف حديث صحيح.

                                                                                                                                                                                  (الخامسة) فهرست أبواب الكتاب ذكرها مفصلة الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي بإسناده عن الحموي فقال: عدد أحاديث صحيح البخاري رحمه الله بدء الوحي سبعة أحاديث، الإيمان خمسون، العلم خمسة وسبعون، الوضوء مائة وتسعة أحاديث، غسل الجنابة ثلاثة وأربعون، الحيض سبعة وثلاثون، التيمم خمسة عشر، فرض الصلاة حديثان، الصلاة في الثياب تسعة وثلاثون، القبلة ثلاثة عشر، المساجد ستة وثلاثون، سترة المصلي ثلاثون، مواقيت الصلاة خمسة وسبعون، الأذان ثمانية وعشرون، فضل صلاة الجماعة وإقامتها أربعون، الإمامة أربعون، إقامة الصفوف ثمانية عشر، افتتاح الصلاة ثمانية وعشرون، القراءة ثلاثون، الركوع والسجود والتشهد اثنان وخمسون، انقضاء الصلاة سبعة عشر، اجتناب أكل الثوم خمسة أحاديث.

                                                                                                                                                                                  صلاة النساء والصبيان خمسة عشر، الجمعة خمسة وستون، صلاة الخوف ستة أحاديث، العيد أربعون، الوتر خمسة عشر، الاستسقاء خمسة وثلاثون، الكسوف خمسة وعشرون، سجود القرآن أربعة عشر، القصر ستة وثلاثون، الاستخارة ثمانية، التحريض على قيام الليل أحد وأربعون، النوافل ثمانية عشر، الصلاة بمسجد مكة تسعة، العمل في الصلاة ستة وعشرون، السهو أربعة عشر، الجنائز مائة وأربعة وخمسون، الزكاة مائة وثلاثة عشر، صدقة الفطر عشرة، الحج مائتان وأربعون، العمرة اثنان وثلاثون، الإحصار أربعون، جزاء الصيد أربعون، الصوم ستة وستون، ليلة القدر عشرة، قيام رمضان ستة، الاعتكاف عشرون، البيوع مائة واحد وتسعون، السلم تسعة عشر، الشفعة ثلاثة أحاديث، الإجارة أربعة وعشرون، الحوالة ثلاثون، الكفالة ثمانية أحاديث، الوكالة سبعة عشر، المزارعة والشرب تسعة وعشرون، الاستقراض وأداء الديون خمسة وعشرون، الأشخاص ثلاثة عشر، الملازمة حديثان، اللقطة خمسة عشر، المظالم والغصب أحد وأربعون.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 7 ] الشركة اثنان وسبعون، الرهن تسعة أحاديث، العتق أحد وعشرون، المكاتب ستة، الهبة تسعة وستون، الشهادات ثمانية وخمسون، الصلح اثنان وعشرون، الشروط أربعة وعشرون، الوصايا أحد وأربعون، الجهاد والسير مائتان وخمسة وخمسون، بقية الجهاد أيضا اثنان وأربعون، فرض الخمس ثمانية وخمسون، الجزية والموادعة ثلاثة وستون، بدء الخلق مائتان وحديثان، الأنباء والمغازي أربعمائة وثمانية وعشرون، جزاء الآخر بعد المغازي مائة وثمانية وثلاثون، التفسير خمسمائة وأربعون، فضائل القرآن أحد وثمانون، النكاح والطلاق مائتان وأربعة وأربعون، النفقات اثنان وعشرون، الأطعمة سبعون، العقيقة أحد عشر، الصيد والذبائح وغيره تسعون، الأضاحي ثلاثون.

                                                                                                                                                                                  الأشربة خمسة وستون، الطب تسعة وسبعون، اللباس مائة وعشرون، المرضى أحد وأربعون، اللباس أيضا مائة، الأدب مائتان وستة وخمسون، الاستئذان سبعة وسبعون، الدعوات ستة وسبعون، ومن الدعوات ثلاثون، الرقاق مائة، الحوض ستة عشر، الجنة والنار سبعة وخمسون، القدر ثمانية وعشرون، الأيمان والنذر أحد وثلاثون، كفارة اليمين خمسة عشر، الفرائض خمس وأربعون، الحدود ثلاثون، المحاربون اثنان وخمسون، الديات أربعة وخمسون، استتابة المرتدين عشرون، الإكراه ثلاثة عشر، ترك الحيل ثلاثة وعشرون، التعبير ستون، الفتن ثمانون، الأحكام اثنان وثمانون، الأمان اثنان وعشرون، إجازة خبر الواحد تسعة عشر، الاعتصام ستة وتسعون، التوحيد وعظمة الرب سبحانه وتعالى وغير ذلك إلى آخر الكتاب مائة وسبعون.

                                                                                                                                                                                  (السادسة) جملة من حدث عنه البخاري في صحيحه خمس طبقات (الأولى) لم يقع حديثهم إلا كما وقع من طريقه إليهم منهم محمد بن عبد الله الأنصاري حدث عنه عن حميد عن أنس، ومنهم مكي بن إبراهيم، وأبو عاصم النبيل حدث عنهما عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، ومنهم عبيد الله بن موسى حدث عنه عن معروف عن أبي الطفيل، عن علي وحدث عنه عن هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وهما تابعيان ومنهم أبو نعيم حدث عنه عن الأعمش والأعمش تابعي، ومنهم علي بن عياش حدث عنه عن حريز بن عثمان عن عبد الله بن بشر الصحابي هؤلاء وأشباههم الطبقة الأولى، وكأن البخاري سمع مالكا والثوري وشعبة وغيرهم فإنهم حدثوا عن هؤلاء وطبقتهم.

                                                                                                                                                                                  (الثانية) من مشايخه قوم حدثوا عن أئمة حدثوا عن التابعين وهم شيوخه الذين روى عنهم عن ابن جريج ومالك وابن أبي ذئب وابن عيينة بالحجاز، وشعيب والأوزاعي وطبقتهما بالشام والثوري وشعبة، وحماد وأبو عوانة، وهما بالعراق والليث ويعقوب بن عبد الرحمن بمصر، وفي هذه الطبقة كثرة.

                                                                                                                                                                                  (الثالثة) قوم حدثوا عن قوم أدرك زمانهم وأمكنه لقياهم لكنه لم يسمع منهم كيزيد بن هارون وعبد الرزاق.

                                                                                                                                                                                  (الرابعة) قوم في طبقته حدث عنهم عن مشايخه كأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي حدث عنه في صحيحه، ولم ينسبه عن يحيى بن صالح.

                                                                                                                                                                                  (الخامسة) قوم حدث عنهم وهم أصغر منه في الإسناد والسن والوفاة والمعرفة منهم عبد الله بن حماد الآملي وحسين القباني وغيرهما ولا بد من الوقوف على هذا لأن من لا معرفة له يظن أن البخاري إذا حدث عن مكي، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة ثم حدث في موضع آخر عن بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن يزيد بن أبي عبيد الله، عن سلمة أن الإسناد الأول سقط منه شيء وإنما يحدث في موضع عاليا وفي موضع نازلا فقد حدث في مواضع كثيرة جدا عن رجل، عن مالك، وفي موضع عن عبد الله بن محمد المسندي عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري عن مالك.

                                                                                                                                                                                  وحدث في مواضع عن رجل، عن شعبة وحدث في مواضع عن ثلاثة عن شعبة منها حديثه عن حماد بن حميد، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة وحدث في مواضع عن رجل، عن الثوري، وحدث في مواضع عن ثلاثة عنه فحدث عن أحمد بن عمر، عن ابن أبي النضر عن عبيد الله الأشجعي، عن الثوري، وأعجب من هذا كله أن عبد الله ابن المبارك أصغر من مالك، وسفيان وشعبة ومتأخر الوفاة، وحدث البخاري عن جماعة من أصحابه عنه، وتأخرت وفاتهم ثم حدث عن سعيد بن مروان، عن محمد بن عبد العزيز عن أبي رزمة عن أبي صالح سلمويه، عن عبد الله بن المبارك فقس على هذا أمثاله وقد حدث البخاري عن قوم خارج الصحيح، وحدث عن رجل عنهم في الصحيح [ ص: 8 ] منهم أحمد بن منيع، وداود بن رشيد وحدث عن قوم في الصحيح وحدث عن آخرين عنهم منهم أبو نعيم، وأبو عاصم، والأنصاري وأحمد بن صالح، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين فإذا رأيت مثل هذا فأصله ما ذكرنا وقد روي عن البخاري: "لا يكون المحدث محدثا كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه".

                                                                                                                                                                                  (السابعة) في الصحيح جماعة جرحهم بعض المتقدمين وهو محمول على أنه لم يثبت جرحهم بشرطه فإن الجرح لا يثبت إلا مفسرا مبين السبب عند الجمهور، ومثل ذلك ابن الصلاح بعكرمة وإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم قال: واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة ممن اشتهر الطعن فيهم، قال: وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يقبل إلا إذا فسر سببه قلت: قد فسر الجرح في هؤلاء أما عكرمة فقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وكذبه مجاهد، وابن سيرين، ومالك، وقال أحمد: يرى رأي الخوارج الصفرية، وقال ابن المديني: يرى رأي نجدة ويقال كان يرى السيف والجمهور وثقوه واحتجوا به ولعله لم يكن داعية.

                                                                                                                                                                                  وأما إسماعيل بن أبي أويس فإنه أقر على نفسه بالوضع كما حكاه النسائي عن سلمة بن شعيب عنه، وقال ابن معين: لا يساوي فلسين هو وأبوه يسرقان الحديث، وقال النضر بن سلمة المروزي فيما حكاه الدولابي عنه: كذاب كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب، وأما عاصم بن علي فقال ابن معين: لا شيء، وقال غيره: كذاب ابن كذاب، وأما أحمد فصدقه وصدق أباه، وأما عمرو بن مرزوق فنسبه أبو الوليد الطيالسي إلى الكذب، وأما أبو حاتم فصدقه وصدق أباه فوثقه، وأما سويد بن سعيد فمعروف بالتلقين، وقال ابن معين: كذاب ساقط وقال أبو داود: سمعت يحيى يقول: هو حلال الدم وقد طعن الدارقطني في كتابه المسمى بالاستدراكات والتتبع على البخاري ومسلم في مائتي حديث فيهما ولأبي مسعود الدمشقي عليهما استدراك، وكذا لأبي علي الغساني في تقييده.

                                                                                                                                                                                  (الثامنة) في الفرق بين الاعتبار والمتابعة والشاهد وقد أكثر البخاري من ذكر المتابعة فإذا روى حماد مثلا حديثا عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا هل تابعه ثقة فرواه عن أيوب فإن لم نجد ثقة غير أيوب، عن ابن سيرين فثقة غيره عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة، عن النبي عليه السلام فأي ذلك وجد علم أن له أصلا يرجع إليه، وإلا فلا فهذا النظر هو الاعتبار.

                                                                                                                                                                                  وأما المتابعة فأن يرويه عن أيوب غير حماد أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غير أبي هريرة فكل نوع من هذه يسمى متابعة.

                                                                                                                                                                                  وأما الشاهد فأن يروى حديث آخر بمعناه وتسمى المتابعة شاهدا ولا ينعكس فإذا قالوا في مثل هذا تفرد به أبو هريرة، أو ابن سيرين، أو أيوب، أو حماد كان مشعرا بانتفاء وجوه المتابعات كلها فيه، ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية بعض الضعفاء، وفي الصحيح جماعة منهم ذكروا في المتابعات والشواهد، ولا يصلح لذاك كل ضعيف ولهذا يقول الدارقطني وغيره: فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به مثال المتابع والشاهد حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به" ورواه ابن جريج عن عمرو، عن عطاء بدون الدباغ تابع عمرو أسامة بن زيد فرواه عن عطاء، عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: "ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به" وشاهده حديث عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس رفعه: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" فالبخاري يأتي بالمتابعة ظاهرا كقوله في مثل هذا تابعه مالك، عن أيوب أي تابع مالك حمادا فرواه عن أيوب كرواية حماد فالضمير في تابعه يعود إلى حماد، وتارة يقول: تابعه مالك ولا يزيد فيحتاج إذن إلى معرفة طبقات الرواة ومراتبهم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية