الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في سنن الخطبة

                                                                                                                                                                        فمنها : أن يكون على منبر ، والسنة أن يكون المنبر على يمين الموضع الذي يصلي فيه الإمام . ويكره المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين ، إذا لم يكن المسجد متسع الخطة ، فإن لم يكن منبر ، خطب على موضع مرتفع .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يسلم على من عند المنبر إذا انتهى إليه .

                                                                                                                                                                        ومنها : إذا بلغ في صعوده الدرجة التي تلي موضع القعود ، ويسمى ذلك الموضع : المستراح ، أقبل على الناس بوجهه ، وسلم عليهم .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يجلس بعد السلام على المستراح .

                                                                                                                                                                        ومنها : أنه إذا جلس ، اشتغل المؤذن بالأذان ، ويديم الإمام الجلوس إلى فراغ المؤذن . قال صاحب ( الإفصاح ) والمحاملي : المستحب ، أن يكون المؤذن للجمعة واحدا . وأشار إليه الغزالي ، وفي كلام بعض الأصحاب ، إشعار باستحباب تعديد المؤذنين .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن تكون الخطبة بليغة غير مؤلفة من الكلمات المبتذلة ، ولا من الكلمات الغريبة الوحشية ، بل قريبة من الأفهام .

                                                                                                                                                                        [ ص: 32 ] ومنها : أن لا يطولها ولا يخففها ، بل تكون متوسطة .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يستدبر القبلة ، ويستقبل الناس في خطبتيه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا . ولو خطب مستدبر الناس ، جاز على الصحيح . وعلى الثاني : لا يجزئه .

                                                                                                                                                                        قلت : وطرد الدارمي هذا الوجه ، فيما إذا استدبروه ، أو خالفوه ، وهو الهيئة المشروعة في ذلك . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ومنها : أنه يستحب أن يكون جلوسه بين الخطبتين قدر سورة ( الإخلاص ) نص عليه . وفيه وجه : أنه يجب هذا القدر وحكي عن نصه .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يعتمد على سيف ، أو عصا ، أو نحوهما . قال في ( التهذيب ) : يقبضه بيده اليسرى . ولم يذكر الأكثرون بأيتهما يقبضه .

                                                                                                                                                                        قلت : قال القاضي حسين في تعليقه كما قال في ( التهذيب ) . - والله أعلم - : ويشغل يده الأخرى بحرف المنبر ، فإن لم يجد شيئا ، سكن يديه وجسده ، بأن يجعل اليمنى على اليسرى ، أو يقرهما مرسلتين . والغرض ، أن يخشع ، ولا يعبث بهما .

                                                                                                                                                                        ومنها : أنه ينبغي للقوم أن يقبلوا على الخطيب مستمعين ، لا يشتغلون بشيء آخر ، حتى يكره الشرب للتلذذ ، ولا بأس به للعطش ، لا للخطيب ، ولا للقوم .

                                                                                                                                                                        ومنها : أن يأخذ في النزول بعد الفراغ ، ويأخذ المؤذن في الإقامة ، ويبتدر ليبلغ المحراب مع فراغ المقيم .

                                                                                                                                                                        قلت : يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهلة .

                                                                                                                                                                        منها : التفاتهم في الخطبة الثانية ، والدق على درج المنبر في صعوده ، والدعاء إذا انتهى إلى صعوده قبل أن يجلس . وربما توهموا أنها ساعة الإجابة ، وهذا جهل ، فإن ساعة الإجابة إنما هي بعد جلوسه ، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - .

                                                                                                                                                                        ومنها : المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم . وأما أصل الدعاء [ ص: 33 ] للسلطان ، فقد ذكر صاحب ( المهذب ) وغيره : أنه مكروه . والاختيار : أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ، ولا نحو ذلك ، فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر .

                                                                                                                                                                        ومنها : مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية . وأما الاحتباء والإمام يخطب ، فقال صاحب ( البيان ) : لا يكره . والصحيح : أنه مكروه . فقد صح في ( سنن أبي داود ) والترمذي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نهى عن الاحتباء والإمام يخطب ) ، قال الترمذي : حديث حسن . وقال الخطابي من أصحابنا : نهى عنه ، لأنه يجلب النوم فيعرض طهارته للنقض ، ويمنعه استماع الخطبة . ويستحب إذا كان المنبر واسعا ، أن يقوم على يمينه ، قاله القاضي حسين ، وصاحب ( التهذيب ) .

                                                                                                                                                                        ويكره للخطيب أن يشير بيده . قال في ( التهذيب ) : يستحب أن يختم الخطبة بقوله : أستغفر الله لي ولكم . وذكر صاحبا ( العدة ) و ( البيان ) : أنه يستحب للخطيب إذا وصل المنبر ، أن يصلي تحية المسجد ، ثم يصعده . وهذا الذي قالاه غريب وشاذ ومردود ، فإنه خلاف ظاهر المنقول عن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والخلفاء الراشدين ، ومن بعدهم . ولو أغمي على الخطيب ، قال في ( التهذيب ) في بناء غيره على خطبته ، القولان في الاستخلاف في الصلاة ، فإن لم نجوزه ، استؤنفت الخطبة ، وإن جوزناه ، اشترط أن يكون الذي يبني سمع أول الخطبة .

                                                                                                                                                                        هذا كلامه في ( التهذيب ) . والمختار ، أنه لا يجوز البناء هنا . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية