الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2546 ) مسألة : قال : ( ويحلق أو يقصر ) وجملة ذلك أنه إذا نحر هديه ، فإنه يحلق رأسه ، أو يقصر منه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه . فروى أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ، ثم رجع إلى منزله بمنى فدعا فذبح ، ثم دعا بالحلاق ، فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه ، فجعل يقسم بين من يليه الشعرة والشعرتين ، ثم أخذ بشق رأسه الأيسر فحلقه ، ثم قال : هاهنا أبو طلحة ؟ فدفعه إلى أبي طلحة . } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            والسنة أن يبدأ بشق رأسه الأيمن ، ثم الأيسر ; لهذا الخبر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في شأنه كله . فإن لم يفعل ، أجزأه . لا نعلم فيه خلافا . وهو مخير بين الحلق والتقصير . أيهما فعل أجزأه ، في قول أكثر أهل العلم . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ . [ ص: 223 ] يعني في حق من لم يوجد منه معنى يقتضي وجوب الحلق عليه . إلا أنه يروى عن الحسن ، أنه كان يوجب الحلق في أول حجة حجها . ولا يصح هذا ; لأن الله تعالى قال : { محلقين رءوسكم ومقصرين } . ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رحم الله المحلقين والمقصرين ) . وقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم من قصر ، فلم يعب عليه ، ولو لم يكن مجزيا لأنكر عليه ، والحلق أفضل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { رحم الله المحلقين . قالوا : يا رسول الله ، والمقصرين ؟ قال : رحم الله المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : رحم الله المحلقين والمقصرين } . رواه مسلم . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق . واختلف أهل العلم في من لبد ، أو عقص ، أو ضفر . فقال أحمد : من فعل ذلك فليحلق . وهو قول النخعي ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق . وكان ابن عباس يقول : من لبد ، أو ضفر ، أو عقد ، أو فتل ، أو عقص ، فهو على ما نوى . يعني إن نوى الحلق فليحلق ، وإلا فلا يلزمه . وقال أصحاب الرأي : هو مخير على كل حال ; لأن ما ذكرناه يقتضي التخيير على العموم ، ولم يثبت في خلاف ذلك دليل .

                                                                                                                                            واحتج من نصر القول الأول ، بأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من لبد فليحلق } . وثبت عن عمر وابنه أنهما أمرا من لبد رأسه أن يحلقه . وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لبد رأسه وأنه حلقه . والصحيح أنه مخير ، إلا أن يثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقول عمر وابنه قد خالفهما فيه ابن عباس ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم له لا يدل على وجوبه ، بعدما بين لهم جواز الأمرين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية