الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
195 - حدثنا محمد بن المثنى قال : نا عمر بن يونس قال : نا عكرمة بن عمار قال : حدثني أبو زميل ، قال : حدثني ابن عباس قال : حدثني عمر بن الخطاب قال : " لما اعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصا ويقولون : طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب ، قال : فدخلت على عائشة فقلت : يا بنت أبي بكر لقد بلغ شأنك أن تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : ما لي ولك يا ابن الخطاب ، عليك بعيبتك ، فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت : يا حفصة قد بلغ من شأنك أن تؤذي الله ورسوله ؟ لقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحبك ولولا أنا لطلقك ، قال : فبكت أشد البكاء ، فقلت : أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : في خزانته في المشربة ، فإذا بغلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رباح قاعد على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب وهو جذع يرقى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فناديت : يا رباح استأذن لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر إلى الغرفة ثم نظر إلي فلم يقل شيئا ، فقلت : يارباح استأذن لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظن أني جئت من [ ص: 304 ] أجل حفصة ، والله لو أمرني أن أضرب عنقها لضربت عنقها ، فأومأ إلي بيده فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير فجلست فإذا عليه إزار ليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثر في جسده فذهبت أرمي ببصري في خزانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا شطر من شعير قدر صاع وقرظ في ناحية الغرفة فابتدرت عيناي ، فقال : " ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ " قلت : يا رسول الله ألا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جسدك ، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى وقيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله وصفوته وهذه خزانتك ، قال : " ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ " قلت : بلى ، ودخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب ، فقلت : يا رسول الله ما شق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبا بكر ، وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يصدق الله قولي ، ونزلت هذه الآية ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) ونزلت ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل ) إلى آخر الآية ، وكانت بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله طلقتهن ؟ قال : " لا " ، قلت : أنزل فأخبرهن أنك لم تطلقهن ؟ قال : " نعم إن شئت " فلم أزل أحدثه حتى كشر الغضب عن وجهه ، وكشر يضحك ، وكان من أحسن الناس ثغرا فنزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلت أتشبث بالجزع ، ونزل كأنما يمشي على الأرض ما يمسه [ ص: 305 ] بيده ، فقلت : يا رسول الله كنت في الغرفة تسعة وعشرين يوما ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الشهر قد يكون تسعة وعشرين " . فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي : لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، ونزلت الآية ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ، قال : فكنت أنا الذي استنبطت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عمر، وقد روي عن عمر بعض هذا الكلام بإسناد آخر ، وهذا الإسناد أحسن من الإسناد الآخر وأتم كلاما ، وأبو زميل مشهور، روى عنه مسعر ، وعكرمة بن عمار وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية