الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال كان علي مشي فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت علماءها فأمروني أن أمشي مرة أخرى من حيث عجزت فمشيت قال يحيى وسمعت مالك يقول فالأمر عندنا فيمن يقول علي مشي إلى بيت الله أنه إذا عجز ركب ثم عاد فمشى من حيث عجز فإن كان لا يستطيع المشي فليمش ما قدر عليه ثم ليركب وعليه هدي بدنة أو بقرة أو شاة إن لم يجد إلا هي

                                                                                                          وسئل مالك عن الرجل يقول للرجل أنا أحملك إلى بيت الله فقال مالك إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة وتعب نفسه فليس ذلك عليه وليمش على رجليه وليهد وإن لم يكن نوى شيئا فليحجج وليركب وليحجج بذلك الرجل معه وذلك أنه قال أنا أحملك إلى بيت الله فإن أبى أن يحج معه فليس عليه شيء وقد قضى ما عليه قال يحيى سئل مالك عن الرجل يحلف بنذور مسماة مشيا إلى بيت الله أن لا يكلم أخاه أو أباه بكذا وكذا نذرا لشيء لا يقوى عليه ولو تكلف ذلك كل عام لعرف أنه لا يبلغ عمره ما جعل على نفسه من ذلك فقيل له هل يجزيه من ذلك نذر واحد أو نذور مسماة فقال مالك ما أعلمه يجزئه من ذلك إلا الوفاء بما جعل على نفسه فليمش ما قدر عليه من الزمان وليتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من الخير

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1028 1012 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( أنه قال : كان علي مشي ) قال الباجي : لعله لزمه بنذر وأما اليمين بمثل هذا فمكروه ( فأصابتني خاصرة ) ؛ أي : وجعها ( فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا : عليك هدي ) بدون إعادة المشي ( فلما قدمت المدينة سألت علماءها فأمروني أن أمشي مرة أخرى من حيث [ ص: 89 ] عجزت ) ولا هدي ( فمشيت ) أخذا بالأحوط لاختلافهم عليه .

                                                                                                          ( قال يحيى : سمعت مالكا يقول : فالأمر عندنا فيمن يقول : علي مشي إلى بيت الله أنه إذا عجز ركب ) إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( ثم عاد فمشى من حيث عجز ) إذا قدر على المشي بعد ( فإن كان لا يستطيع المشي ) جميعه ( فليمش ما قدر عليه ) ولو قل ( ثم ليركب وعليه هدي ) من الإبل ( أو بقرة أو شاة ) تجزئه ( إن لم يجد إلا هي ) فإن وجد غيرها لم تجزه ، وفي الواضحة : تجزئه قال أبو عمر : إنما أوجب العلماء في هذا الباب الهدي دون الصدقة والصوم لأن المشي لا يكون إلا في حج أو عمرة ، وأفضل القربات بمكة إراقة الدماء إحسانا لفقراء الحرم والموسم .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن الرجل يقول للرجل : أنا أحملك إلى بيت الله ) قال الباجي : يريد مكة ( فقال مالك : إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة وتعب نفسه فليس ذلك عليه ) ؛ أي : ليس عليه حمله ولا إحجاجه لأنه لم يقصد إحجاجه وإنما قصد حمله على عنقه كما لو قال : أنا أحمل هذا العمود وشبهه إذ لا قربة فيه ويلزمه هو الحج ماشيا كما قال .

                                                                                                          ( وليمش على رجليه ) لأنه مضمون كلامه لأن من حمل ثقلا إنما يحمله ماشيا فيلزمه المشي .

                                                                                                          ( وليهد ) يريد على وجه الاستحباب كنذر الحفاء انتهى .

                                                                                                          ( وإن لم يكن نوى شيئا ) ؛ أي : إتعاب نفسه ( فليحجج وليركب ) لأنه لما لم يعدل نيته عن القربة لزمه الحج راكبا ( وليحجج بذلك الرجل معه ) لأن لفظه اقتضى إحجاجه ( وذلك أنه قال : أنا أحملك إلى بيت الله ) لكنه موقوف على إرادة الرجل ( فإن أبى أن يحج معه فليس عليه شيء ) بسبب الرجل ولم يرد أن الحج يسقط عنه ( وقد قضى ما عليه ) ؛ أي : فعله .

                                                                                                          قال أبو عمر : دلت السنة الثابتة أنه لا شيء على من قصد المشقة لحديث عقبة بن عامر : " نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فاستفتيت لها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لتمش يعني ما قدرت ولتركب ولا شيء [ ص: 90 ] عليها " فلم يأمرها بهدي ولم يلزمها ما عجزت عنه .

                                                                                                          وفي رواية ابن عباس : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : إن الله لغني عن نذرها مرها فلتركب " وفي رواية فيها ضعف ولتهد .

                                                                                                          وفي رواية عن عقبة : " نذرت أختي أن تمشي حافية إلى بيت الله غير مختمرة فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مر أختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام " ؛ أي : لأنها حلفت كما في حديث ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتحج راكبة ولتكفر عن يمينها " ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يتهادى بين ابنيه فسأل عنه فقالوا : نذر أن يمشي ، فقال : إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه وأمره أن يركب فركب ولم يذكر هديا ولا صوما .

                                                                                                          ( قال يحيى : سئل مالك عن الرجل يحلف بنذور مسماة مشيا ) بالنصب حال أو بنزع الخافض وفي نسخة " مشي " بالخفض بدل من نذور ( إلى بيت الله أن لا يكلم أخاه أو أباه بكذا أو كذا نذرا لشيء لا يقوى عليه ولو تكلف ذلك كل عام لعرف ) بالبناء للمفعول ( أنه لا يبلغ عمره ما جعل على نفسه من ذلك فقيل له : هل يجزئه من ذلك نذر واحد أو نذور مسماة ؟ فقال مالك : ما أعلمه يجزئه من ذلك إلا الوفاء بما جعل على نفسه ) وجوب الوفاء بالنذر ( فليمش ما قدر عليه من الزمان وليتقرب إلى الله بما استطاع من الخير ) الذي يقدر عليه .




                                                                                                          الخدمات العلمية