الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          وإذا خالعته في مرض موتها ، فله الأقل من المسمى أو من ميراثه منها ، وإن طلقها في مرض موته ، وأوصى لها بأكثر ، لم تستحق أكثر من ميراثها ، وإن خالعها في مرضه وحاباها ، فهو من رأس المال .

                                                                                                                          وإذا وكل في خلع امرأته مطلقا ، فخالع بمهرها ، فما زاد صح ، وإن نقص عن المهر ، رجع على الوكيل بالنقص ، ويحتمل أن يخير بين قبوله ناقصا ، وبين رده ، وله الرجعة ، وإن عين له العوض ، فنقص لم يصح الخلع عند ابن حامد ، وصح عند أبي بكر ، ويرجع على الوكيل بالنقص .

                                                                                                                          وإن وكلت المرأة في ذلك ، فخالع بمهرها فما دون ، أو بما عينته فما دون ، صح ، وإن زاد لم يصح ، ويحتمل أن يصح ، وتبطل الزيادة ، وإذا تخالعا ، تراجعا بما بينهما من الحقوق ، وعنه : أنها تسقط .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإذا خالعته في مرض موتها ) المخالعة في المرض صحيحة ، سواء كانا مريضين أو أحدهما - بغير خلاف نعلمه; لأنها معاوضة كالبيع ، ثم إذا خالعته في مرض موتها بميراثه منها فما دون - صح ولا رجوع ، وإن خالعته بزيادة بطلت الزيادة ( فله الأقل من المسمى أو من ميراثه منها ) ; لأن ذلك لا تهمة فيه - بخلاف الأكثر منها - فإن الخلع إن وقع بأكثر من الميراث تطرقت إليه التهمة من قصد إيصالها إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه ، أشبه ما لو أوصت أو أقرت له ، وإن وقع بأقل من الميراث ، فالباقي هو أسقط حقه منه ، فلم يستحقه ، فتعين استحقاق الأقل منهما ، وقيل : إن كان ميراثه منها بقدر ما ساق إليها من الصداق أو أقل ، صح ، وإن كان ما خالعته أكثر ، بطلت الزيادة ( وإن طلقها في مرض موته ، وأوصى لها بأكثر من ميراثها ، لم تستحق أكثر من ميراثها ) أي : للورثة منعها من ذلك; لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها ، كالوصية لوارث ، وعلم منه أنه إذا أوصى لها بمهر مثلها أو أقل أنه يصح; لأنه لا تهمة في ذلك ( وإن خالعها في مرضه وحاباها ، فهو من رأس المال ) مثل أن يخالعها بأقل من مهر مثلها [ ص: 244 ] مثل أن يكون قادرا على خلعها بشيء فخالعها بدونه - لم يحسب ما حاباها من الثلث في مرض موته; لأنه لو طلق بغير عوض لصح ، فلأن يصح بعوض أولى ، فلو خالعها في مرضها بأكثر من مهرها فللورثة أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها; لأنه متهم .

                                                                                                                          ( وإذا وكل في خلع امرأته مطلقا ، فخالع بمهرها ، فما زاد صح ) ولزم المسمى; لأنه زاده خيرا ، وعلم منه صحة التوكيل في الخلع لكل من يصح تصرفه في الخلع لنفسه ، كالعبد ، والأنثى ، والكافر ، والمحجور عليه ، لا نعلم فيه خلافا ، ويجوز التوكيل من غير تقدير عوض كالبيع والنكاح ، والمستحب التقدير; لأنه أسلم من الغرر ، وأسهل على التوكيل .

                                                                                                                          ( وإن نقص عن المهر ، رجع على الوكيل بالنقص ) على المذهب; لأن الخلع عقد معاوضة أشبه البيع ( ويحتمل أن يخير بين قبوله ناقصا ) ; لأن الحق له ، فإذا رضي بدونه وجب أن يصح ( وبين رده وله الرجعة ) ; لأن الطلاق قد وقع ، والعوض مردود ( وإن عين له العوض ، فنقص لم يصح الخلع عند ابن حامد ) وهو أولى وأصح; لأنه خالف موكله ، أشبه ما لو وكله في خلع امرأة فخالع غيرها ( وصح عند أبي بكر ) ; لأن المخالعة في قدر العوض ، وهو لا يبطله كحالة الإطلاق ( ويرجع على الوكيل بالنقص ) ; لأنه أمكن الجمع بين تصحيح التصرف ، ودفع الضرر ، فوجب كما لو لم يخالف وصحح ابن المنجا هذا القول; لأن الفرق ثابت بين المخالفة وبين المعقود عليه ، وبين المخالفة في تعيين العوض; لأنه لو وكله في عبده من زيد ، فباعه من غيره - لم يصح ، ولو وكله في بيعه بعشرة ، فباعه بأقل منها - أنه يصح ، ويضمن الوكيل النقص .

                                                                                                                          [ ص: 245 ] فرع : إذا خالف بالجنس أو أمره بالخلع حالا ، فخالع عن عوض نسيئة ، فالقياس أنه لا يصح ، وقال القاضي : إنه يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه ، ويكون له ما خالع به كالمخالفة في القدر ، وهذا يبطل بالوكيل في البيع ، وفارق المخالفة في القدر; لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل ، وكذا الحكم لو خالع بغير نقد البلد ، وإن خالع بما ليس بمال فلغو ، وقيل : يصح إن صح بلا عوض وإلا رجعيا .

                                                                                                                          ( وإن وكلت المرأة في ذلك فخالع بمهرها فما دون ، أو بما عينته فما دون ، صح ) ; لأنه امتثل وزاد خيرا ( وإن زاد لم يصح ) على المذهب; لأنه خالفها في تعيينها أو فيما اقتضاه الإطلاق ، فلم يصح كما لو وكلته في الخلع بدراهم ، فخالع بعروض ( ويحتمل أن يصح ) ; لأن المخالفة في القدر لا توجب الضمان ( وتبطل الزيادة ) ; لأن الموكلة ما التزمتها ، ولا أذنت فيها ، وقاله في " الشرح " ، ولزم الوكيل; لأنه ألزمه للزوج ، فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من يعتق رب المال ، وقال القاضي في " المجرد " : عليها مهر مثلها ، ولا شيء على وكيلها; لأنه لا يقبل العقد لنفسه ، وإنما يقبله لغيره بخلاف الشراء ( وإذا تخالعا ) بغير لفظ الطلاق ( تراجعا بما بينهما من الحقوق ) أي : حقوق النكاح ; لأنه أحد نوعي الخلع ، فلم يسقط به شيء كالطلاق ( وعنه : أنها تسقط ) بالسكوت عنها إلا نفقة عدة الحامل وما خولع ببعضه; لأن الخلع يقتضي انخلاع كل واحد من صاحبه ، ولو بقيت الحقوق كما كانت لبقي بينهما علقة ، وذلك ينافي الانخلاع ، فعليه إن كان خلعها قبل الدخول ولم تكن قبضت منه شيئا - لم ترجع عليه ، وإن كانت قبضته لم يرجع ، وعلى [ ص: 246 ] الأول : يرجع كل واحد بما يستحقه ، وهو الأصح ، وهذا الخلاف في حقوق النكاح ، وأما الديون فلا تعلق للخلع بها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية