الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 353 ] فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة

                                                                                                        . ( لا تجوز الصلاة عند طلوع الشمس ، ولا عند قيامها في الظهيرة ، ولا عند غروبها ) لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال { ثلاثة أوقات نهانا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا : عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، وعند زوالها حتى تزول ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب }والمراد بقوله " وأن نقبر " صلاة الجنازة ، لأن الدفن غير مكروه ، والحديث بإطلاقه حجة على الشافعي رحمه الله تعالىفي تخصيص الفرائض ، وبمكة في حق النوافل ، وحجة على أبي يوسف رحمه الله تعالىفي إباحة النفل يوم الجمعة وقت الزوال ، قال ( ولا صلاة جنازة ) لما روينا ( ولا سجدة تلاوة ) لأنها في معنى الصلاة ( إلا عصر يومه عند الغروب ) لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت ، لأنه لو تعلق بالكل لوجب الأداء بعده ، ولو تعلق بالجزء الماضي فالمؤدي في آخر الوقت قاض ، وإذا كان كذلك فقد أداها كما وجبت ، بخلاف غيرها من الصلوات ، لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص . قال رضي الله عنه : والمراد بالنفي المذكور في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة والكراهة ، حتى لو صلاها فيه أو تلا فيه آية السجدة فسجدها جاز ; لأنها أديت ناقصة كما وجبت ، إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في الأوقات المكروهة الحديث الثامن عشر : حديث عقبة رضي الله عنه ، قال : { ثلاث أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها ، وأن نقبر فيها موتانا : عند طلوع الشمس حتى ترتفع ، وعند زوالها حتى تزول . وحين تضيف للغروب } ، قلت : رواه الجماعة إلا البخاري من حديث موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني ، قال { ثلاث ساعات [ ص: 354 ] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ، أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب }انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي في " المعرفة " : ورواه روح بن القاسم عن موسى بن علي عن أبيه ، وزاد فيه ، { قلت لعقبة : أيدفن بالليل ؟ قال : نعم ، قد دفن أبو بكر بالليل }انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : ونهيه عن القبر في هذه الساعات لا يتناول الصلاة على الجنازة ، وهو عند كثير من أهل العلم محمول على كراهية الدفن في تلك الساعات انتهى . قلت : حمله أبو داود على الدفن الحقيقي فإنه ذكره في " الجنائز " وبوب عليه " باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها " وحمله الترمذي على الصلاة ، وبوب عليه " باب ما جاء في كراهية صلاة الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها " ونقل عن ابن المبارك أنه قال : ما معنى أن نقبر فيها موتانا ؟ " يعني صلاة الجنازة " انتهى . وقد جاء بتصريح الصلاة فيه ، رواه الإمام أبو حفص عمر بن شاهين في " كتاب الجنائز " من حديث خارجة بن مصعب عن ليث بن سعد عن موسى بن علي به ، قال : { نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي على موتانا عند ثلاث : عند طلوع الشمس } ، إلى آخره . أحاديث الركعتين بعد العصر " ما جاء في النهي عنها " أخرج البخاري عن معاوية ، قال : { إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها ، ولقد نهى عنها }يعني الركعتين بعد العصر " انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى إسحاق بن راهويه في " مسنده " ثم البيهقي من جهته حدثنا وكيع ثنا سفيان الثوري أخبرني أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي . قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين دبر كل صلاة مكتوبة إلا الفجر والعصر }انتهى .

                                                                                                        حديث عمر بن عنبسة أخرجه مسلم من حديث أبي أمامة عنه ، وفيه : { فقلت : يا رسول الله أخبرني عن الصلاة ؟ قال : صل الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حين تطلع الشمس حتى ترتفع ، فإنها تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ، ثم صل ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تستقبل الظل بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة ، فإنها [ ص: 355 ] حينئذ تسجر جهنم ، فإذا أقبل الفيء فصل ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان } ، الحديث بطوله . ما ورد في إباحتها :

                                                                                                        أخرج البخاري ، ومسلم عن الأسود عن عائشة ، قالت : { ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا علانية : ركعتان قبل صلاة الصبح . وركعتان بعد العصر } ، وفي لفظ لهما : { ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ مسلم عن طاوس عنها ، قالت : وهم عمر ، إنما { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك } ، وفي لفظ للبخاري عن أيمن عن عائشة ، قالت : { والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله ، وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة ، وكان يصليهما ، ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته ، وكان يحب ما خفف عنهم ، }انتهى . ما ورد في العذر منها ، أخرج مسلم . والبخاري في " المغازي " عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس . وعبد الرحمن بن أزهر ، والمسور بن مخرمة { أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد العصر ، وقل لها : بلغنا أنك تصليهما ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما ، قال كريب : فدخلت على عائشة ، فأخبرتها : فقالت : سل أم سلمة ، فرجعت إليهم ، فأخبرتهم ، فردوني إلى أم سلمة ، فقالت أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما . ثم رأيته يصليهما ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، وهما هاتان }مختصر ، وعلقه البخاري فقال : وقال كريب : عن أم سلمة ، { صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين ، وقال : شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر }انتهى .

                                                                                                        وينظر البخاري في " المغازي " فكأنه وصله فيه ، وأخرج مسلم عن أبي سلمة أنه { سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر ، فقالت : كان يصليهما قبل العصر . ثم إنه شغل عنهما ، أو نسيهما ، فصلاهما بعد العصر ، ثم [ ص: 356 ] أثبتهما . وكان إذا صلى صلاة أثبتها }يعني داوم عليها " انتهى .

                                                                                                        وأخرج أبو داود من جهة ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان مولى عائشة ، أنها حدثته { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر يعني ركعتين وينهى عنهما ويواصل ، وينهى عن الوصال }انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية