الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح من كان أبا أو غيره من حباء أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته قال مالك في المرأة ينكحها أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيرا لا مال له إن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرا وكان في ولاية أبيه قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه قال مالك وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه إلا أن يعفون فهن النساء اللاتي قد دخل بهن أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته قال مالك وهذا الذي سمعت في ذلك والذي عليه الأمر عندنا قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها إنه لا صداق لها قال مالك لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار وذلك أدنى ما يجب فيه القطع

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1120 1099 - ( مالك أنه بلغه ) مما جاء من وجوه منها ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وغيره ( أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله أن كل ما اشترط المنكح ) بكسر الكاف ( من كان أبا أو غيره من حباء ) بالكسر والمد : عطية بلا عوض ( أو كرامة ) شيء يكرم به وهو بمعنى ما قبله ( فهو للمرأة إن ابتغته ) طلبته وقد روى أبو داود من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها ، وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه ، وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته " ( قال مالك في المرأة ينكحها ) بضم الياء يزوجها ( أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به أن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ) وفي نسخة ابن وضاح إذا ( ابتغته ) لا إن تركته لأبيها ، زاد الموطأ من رواية ابن القاسم عنه : وإن أعطاه بعدما زوجه فإنما هي تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيها .

                                                                                                          ( وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر ) أي نصف ( الحباء الذي وقع به النكاح ) لأنه من الصداق وهو يتشطر بالطلاق قبل الدخول ( قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيرا ، لا مال له : أن الصداق على أبيه إذا كان [ ص: 199 ] الغلام ) المذكور ( يوم تزوج لا مال له ) زيادة بيان لقوله قبل لا مال له أعاده لقوله : ( وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه ) فعلى الأب ( وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرا وكان في ولاية أبيه ) لكن إنما يجبره لغبطة على المنصوص كشريفة أو ابنة عم أو ذات مال .

                                                                                                          ( قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه ) : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم [ سورة البقرة : الآية 237 ] ( " إلا أن يعفون " فهن النساء اللاتي قد دخل بهن " أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح " فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته ، وهذا الذي سمعت في ذلك ) أي معنى الآية ( وعليه الأمر عندنا ) بالمدينة .

                                                                                                          زاد مالك في بعض روايات الموطأ وفي غير الموطأ : ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب لا وصي ولا غيره ، وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه بإتمام الصداق ، وقال بكل من القولين جماعة ، واحتج الأئمة بأن ما قالوه مروي عنه - صلى الله عليه وسلم - وبأن إسقاط الولي ما لموليته على خلاف الأصول .

                                                                                                          وأجيب عن الأول بأنه ضعيف سلمنا صحته لكن لا نسلم أنه تفسير للآية بلا إخبار عن حال الزوج قبل الطلاق .

                                                                                                          وعن الثاني بأن الحكم الولاية تصرف الولي بما هو أحسن للمولى عليه ، وقد يكون العفو أحسن للبنت فيحصل لها بذلك مصلحة وهي رغبة الأزواج فيها إذا سمعوا بعفو الأب عن الزوج المطلق ، وقد يطلع الولي على أنها بسبب ذلك يرغب فيها من في صلته غبطة عظيمة ، ولنا وجوه منها أن المفهوم من قولنا : بيده كذا ، أي : يتصرف فيه والزوج لا يتصرف في عقد النكاح [ ص: 200 ] وإنما يتصرف في الحل ، والولي الآن هو المتصرف في النكاح فيتناوله اللفظ دون الزوج سلمنا أن الزوج بيده عقدة النكاح لكن بالنسبة إلى ما كان وانقضى وذلك مجاز ، وأما الولي فعقدة النكاح الآن بيده فهو حقيقة وهي مقدمة على المجاز .

                                                                                                          ومنها أن المراد بقوله : إلا أن يعفون [ سورة البقرة : الآية 237 ] الرشيدات بلا خلاف إذ المحجور عليها لا ينفذ الشرع تصرفها ، فالذي يحسن في مقابلتهن من المحجورات في أيدي أوليائهن ، أما بالأزواج فلا مناسبة .

                                                                                                          ومنها أن الخطاب مع الأزواج لقوله : فنصف ما فرضتم [ سورة البقرة : الآية 237 ] وهو خطاب مشافهة ، فلو كانوا مرادين في قوله تعالى : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح [ سورة البقرة : الآية 237 ] وهو خطاب غيبة - للزم تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة وهو خلاف الأولى ، وضعف هذا الوجه بوروده في قوله تعالى : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة [ سورة يونس : الآية 22 ] وقول امرئ القيس :


                                                                                                          تطاول ليلك بالإثمد ونام الخلي ولم ترقد




                                                                                                          وبات وباتت له ليلة كليلة ذي العائر الأرمد


                                                                                                          وأجيب بأن إقامة الظاهر مقام المضمر الأصل ، فلو كان المراد الزوج لقيل إلا أن يعفون أو تعفوا عما استحق لكم فلما عدل عن الظاهر دل على أن المراد غيرهم .

                                                                                                          ومنها أن الأصل في العطف بأو التشريك في المعنى فقوله : إلا أن يعفون معناه الإسقاط ، وقوله أو يعفو الذي على رأينا الإسقاط فيحصل التشريك ، وعلى رأيهم ليس كذلك فيكون قولنا أرجح ، والله أعلم .

                                                                                                          ( قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي فتسلم ) : هي ( قبل أن يدخل بها أنه لا صداق ) لها لأن بضعها باق ( قال مالك : لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار ) أو ثلاثة دراهم فضة أو قيمة ذلك من العروض ( وذلك أدنى ) أقل ( ما يجب فيه القطع ) في السرقة فقاسه عليها بجامع أن كل عضو يستباح بقدر من المال فلا بد أن يكون مقدرا بها ، ووافق مالكا على قوله جميع أصحابه إلا ابن وهب ، واحتجوا له أيضا بأن الله شرط عدم الطول في نكاح الإماء ، فدل على أن الطول لا يجده كل الناس ، إذ لو كان الفلس والدانق ونحوهما طولا لما عدمه أحد ، ولأن الطول المال ولا يقع اسم المال على أقل من ثلاثة دراهم وهذا ليس بشيء لأنه لا فرق في أقل [ ص: 201 ] الصداق بين حرة وأمة ، والله إنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء ولا أعلم أحدا قال ذلك بالمدينة قبل مالك ، وقال له الدراوردي : تعرقت فيها يا أبا عبد الله أي ذهبت مذهب أهل العراق ، قاله ابن عبد البر .

                                                                                                          وقال عياض : انفرد مالك بهذا التفاتا إلى قوله تعالى : أن تبتغوا بأموالكم وإلى قوله : ومن لم يستطع منكم طولا [ سورة النساء : الآية 24 ، 25 ] فدل على أن المراد مال له بال وأقله ما استبيح به العضو في السرقة ، وكافة العلماء من الحجاز ومصر والشام وغيرهم على جوازه بما تراضى عليه الزوجان أو من العقد إليه مما فيه منفعة كسوط ونعل ونحوهما وإن كانت قيمته أقل من درهم .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة وأصحابه : أقله عشرة دراهم .

                                                                                                          وقال ابن شبرمة : خمسة دراهم اعتبارا بالقطع عندهما أيضا ، وكرهه النخعي بأقل من أربعين وقال مرة : عشرة ، وتعقبه الزواوي بأن زعمه : تفرد به مالك بذلك - تناقض مع ما نقله عن الحنفية ، فعجب منه كيف غفل عن نفسه وشنع على مالك مع موافقة أصحابه له إلا ابن وهب وموافقة أبي حنيفة وأصحابه في القياس على القطع ، واشتراطهم فيه أكثر مما اشترطه مالك .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : واحتج الحنفية بحديث جابر مرفوعا : " لا صداق أقل من عشرة دراهم " ولا حجة فيه لأنه ضعيف .

                                                                                                          وروي عن علي مثله ولا يصح عنه أيضا ، واحتج من أباحه بأي متمول فيه منفعة بقوله التمس ولو خاتما من حديد ، قال عياض : وتأوله بعض أهل المذهب بأنه خرج على المبالغة لا على التقليل ، وتأوله غيره بأنه طلب ما يقدمه قبل الدخول لا كل المهر ، ويضعفه أن مالكا استحب تقديم ربع دينار لا أقل ، قال الزواوي : وضعفه بين لأنه ليس في الحديث دلالة على أنه طلب منه ما يقدمه لا جميع المهر ، بل ظاهره أن المطلوب جميع الصداق لا بعضه .

                                                                                                          وقال الأبي : يرجح قول ابن وهب ويعارض ما احتج به مالك - ما صح من حديث : " من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأدخله النار ، قيل : وإن كان يسيرا ، قال : وإن كان قضيبا من أراك " فأطلق المال على ما ترى . انتهى .

                                                                                                          وفيه نظر لأن إطلاقه على ذلك تجوز لقصد الزجر عن اقتطاع مال المسلم والحلف الباطل على نحو ما قيل في قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها [ سورة النساء : الآية 93 ] الآية ، قال عياض : والإجماع على أن الشيء الذي لا يتمول ولا قيمة له لا يكون صداقا ، قال الحافظ : فإن ثبت هذا الإجماع فقد خرقه ابن حزم حيث قال : يجوز بكل ما يسمى شيئا ، ولو حبة من شعير .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : ولا توقيت ولا تحديد لأكثر الصداق إجماعا ، قال : واحتج به من جوزه بمتمول ولو قل لأن الله ذكر الصداق ولم يحد أكثره ولا أقله ، فلو كان له حد لبينه - صلى الله عليه وسلم - لأنه المبين مراد الله ، والحد لا يصح إلا بكتاب أو سنة ثابتة لا معارض لها أو إجماع . انتهى .

                                                                                                          وفي الحصر نظر ، فمن جملة ما يصح به - القياس ، إذ هو من جملة الأدلة .




                                                                                                          الخدمات العلمية