الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4914 141 - حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا زهير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه مشتمل عليها ; لأن قوله " إن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة " يشمل الشطر الأول من الترجمة ، وقوله " كان يقسم . . . " إلى آخره مشتمل على الشطر الثاني منها وهو قوله " وكيف يقسم ذلك " ، مع أنه يوضح معنى ذلك وهو أنه يقسم لعائشة الموهوب لها يومها المختص لها ويوم سودة الواهبة يومها لها على الوجه الذي ذكرناه الآن .

                                                                                                                                                                                  ومالك بن إسماعيل هو أبو غسان النهدي - بالنون المفتوحة وسكون الهاء ، وزهير - مصغر زهر - بن معاوية الجعفي الكوفي سكن الجزيرة ، يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في النكاح أيضا عن عمرو الناقد عن الأسود بن عامر عن زهير به .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أن سودة بنت زمعة ) بسكون الميم وفتحها ، ابن قيس القرشية العامرية ، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد موت خديجة رضي الله تعالى عنها ودخل عليها بها ، وكان دخوله بها قبل دخوله على عائشة رضي الله تعالى عنها بالاتفاق ، وهاجرت معه ، وتوفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وهبت يومها لعائشة ) ، وقد تقدم في الهبة من طريق الزهري عن عروة بلفظ " يومها وليلتها " ، وزاد في آخره : تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام : لما أن كبرت سودة رضي الله تعالى عنها جعلت يومها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة . وروى أبو داود عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم . . . الحديث ، وفيه : ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، يومي لعائشة ! فقبل ذلك منها ، وفيها وفي أشباهها نزلت : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية ، وتابعه ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد في وصله ، وعند الترمذي من حديث ابن عباس موصولا نحوه ، وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلقها فقعدت له على طريقه فقالت : والذي بعثك بالحق ما لي في الرجال حاجة ، ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة ، فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي ؟ قال : لا . قالت : فأنشدك لما راجعتني ! فراجعها ، قالت : فإني جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وكان النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة ) ; يعني على الوجه الذي ذكرناه ، وفي رواية جرير عن هشام عند مسلم : فكان يقسم لعائشة يومين ; يومها ويوم سودة ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  وكان - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقسم لكل واحدة من نسائه يوما وليلة كما تظاهرت عليه الأحاديث ، ففي بعضها يوم والمراد بليلته ، وفي بعضها ليلة والمراد مع اليوم ، وفي بعضها يوم وليلة ، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يزاد في [ ص: 199 ] القسم على يوم وليلة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال مالك وأبو ثور وأبو إسحاق المروزي من الشافعية ، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله : وحمل الشافعي ذلك على الأولوية والاستحباب ، ونص على جواز القسم ليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ، وقال في المختصر : وأكره مجاوزة الثلاث . فحمله الأكثرون على المنع ، ونقل عن نصه في الإملاء أنه كان يقسم مياومة ومشاهرة ومسانهة ، قال الرافعي : فحملوه على ما إذا رضين ولم يجعلوه قولا آخر . وحكي عن صاحب التقريب أنه يجوز أن يقسم سبعا سبعا ، وعن الشيخ أبي محمد الجويني وغيره أنه تجوز الزيادة ما لم تبلغ التربص بمدة الإيلاء ، وقال إمام الحرمين : لا يجوز أن يبني القسم على خمس سنين مثلا . وحكى الغزالي في البسيط وجها أنه لا تقدير بزمان ولا توقيت أصلا ، فإنما التقدير إلى الزوج ، انتهى كلامه .

                                                                                                                                                                                  قلت : وقال ابن المنذر : ولا أرى مجاوزة يوم إذ لا حجة مع من تخطى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غيرها ، ألا ترى قوله في الحديث " أن سودة وهبت يومها لعائشة " ، ولم يحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسمته لأزواجه أكثر من يوم وليلة ، ولو جاز ثلاثة لجاز خمسة وشهرا ، ثم يتخطى بالقول إلى ما لا نهاية له ، فلا يجوز معارضته السنة .

                                                                                                                                                                                  وفيه مشروعية القسم بين النساء وهو متفق على استحبابه ، فأما وجوبه فادعى صاحب المفهم الاتفاق على وجوبه ، فقال شيخنا : وفي دعوى الاتفاق نظر . فقال النووي في شرح مسلم : مذهبنا أنه لا يلزم أن يقسم لنسائه ، بل له إحسانهن كلهن ، لكن يكره تعطيلهن . قال الرافعي : وعن القاضي أبي حامد حكاية أنه يجب القسم بينهن ولا يجوز له الإعراض .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية