الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب القطع بالإقرار وأنه لا يكتفى فيه بالمرة [ ص: 159 ] عن أبي أمية المخزومي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فاعترف اعترافا ولم يوجد معه المتاع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما إخالك سرقت ؟ قال : بلى ، مرتين أو ثلاثا ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقطعوه ثم جيئوا به ، قال : فقطعوه ثم جاءوا به ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل أستغفر الله وأتوب إليه ، فقال : أستغفر الله وأتوب إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم تب عليه } . رواه أحمد وأبو داود وكذلك النسائي ولم يقل فيه : مرتين أو ثلاثا . وابن ماجه ، وذكر مرة ثانية فيه قال : " ما إخالك سرقت ؟ " قال : بلى ) .

                                                                                                                                            3152 - ( وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال : لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين . حكاه أحمد في رواية مهنا واحتج به ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي أمية قال الحافظ في بلوغ المرام : رجاله ثقات . وقال الخطابي : إن في إسناده مقالا . قال : والحديث إذا رواه مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به . قال المنذري وكأنه يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه ، ويشهد له ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا .

                                                                                                                                            وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة منها عن أبي الدرداء أنه أتي بجارية سرقت فقال لها : أسرقت ، قولي : لا ، فقالت : لا ، فخلى سبيلها . وعن عطاء عند عبد الرزاق أنه قال : كان من مضى يؤتى إليهم بالسارق فيقول : أسرقت ؟ قل : لا ، وسمى أبا بكر وعمر . وأخرج أيضا عن عمر بن الخطاب أتي برجل فسأله : أسرقت ؟ قل : لا ، فقال : لا ، فتركه . وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة أن أبا هريرة أتي بسارق فقال : أسرقت ؟ قل : لا ، مرتين أو ثلاثا وعن أبي مسعود الأنصاري في جامع سفيان أن امرأة سرقت جملا فقال : أسرقت ؟ قولي : لا . قوله : ( ما أخالك سرقت ) بفتح الهمزة وكسرها : أي ما أظنك سرقت ، وفي ذلك دليل على أنه يستحب تلقين ما يسقط الحد . قوله : ( مرتين أو ثلاثا ) استدل به من قال إن الإقرار بالسرقة مرة واحدة لا يكفي ، بل لا بد من الإقرار مرتين أو ثلاثا ، وأقل ما يلزم به القطع مرتان وإلى ذلك ذهبت العترة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأحمد بن حنبل وإسحاق .

                                                                                                                                            وروي عن أبي يوسف . وذهب مالك والشافعية والحنفية وهو [ ص: 160 ] مروي عن أبي يوسف إلى أنه يكفي الإقرار مرة .

                                                                                                                                            ويجاب عن الاستدلال بحديث أبي أمية المذكور أنه لا يدل على اشتراط الإقرار مرتين ، وإنما يدل على أنه يندب له تلقين المسقط للحد عنه والمبالغة في الاستثبات . ومما يدل على أن هذا هو المراد أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا أخالك سرقت ثلاث مرات " في رواية ، ولا قائل بأنه يشترط ثلاث مرات ، ولو كان مجرد الفعل يدل على الشرطية لكان وقوع التكرار منه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات يقتضي اشتراطها ، وقد تقدم في حديث المجن ورداء صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع ، ولم ينقل في ذلك تكرير الإقرار .

                                                                                                                                            وأما الاحتجاج بما روي عن علي عليه السلام كما ذكره المصنف فهو وإن كانت الصيغة مشعرة باشتراط الإقرار مرتين لكنه لا تقوم به الحجة إلا عند من يرى حجية قوله كما ذهب إليه بعض الزيدية . قوله : ( قل أستغفر الله ) فيه دليل على مشروعية أمر المحدود بالاستغفار والدعاء له بالتوبة بعد استغفاره .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية