الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
26698 11083 - (27240) - (6\399) عن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: خرجت امرأة إلى الصلاة فلقيها رجل فتجللها بثيابه فقضى حاجته منها، وذهب وانتهى إليها رجل فقالت له: إن الرجل فعل بي كذا وكذا، فذهب الرجل في طلبه فانتهى إليها قوم من الأنصار، فوقفوا عليها، فقالت لهم: إن رجلا فعل بي كذا وكذا، فذهبوا في طلبه، فجاءوا بالرجل الذي ذهب في طلب الرجل الذي [ ص: 86 ] وقع عليها، فذهبوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هو هذا، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه قال الذي وقع عليها: يا رسول الله، أنا والله هو، فقال للمرأة: " اذهبي فقد غفر الله لك "، وقال للرجل قولا حسنا، فقيل: يا نبي الله، ألا ترجمه، فقال: " لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم".

التالي السابق


* قوله: "فتجللها": بالجيم - أي: غطاها، وجعل ثيابه كالجل عليها.

* "فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه": ظاهره مشكل؛ إذ لا يستقيم الأمر برجمه من غير إقرار ولا بينة، وقول المرأة لا يصلح بينة، بل هي التي تستحق أن تحد للقذف، فلعل المراد: فلما قارب أن يأمر به، وذلك قاله الراوي من حيث الظاهر؛ حيث إنهم أحضروه عند الإمام، والإمام اشتغل بالتفتيش عن حاله، والله تعالى أعلم.

وأجاب القاضي أبو بكر في "شرح الترمذي" بأنه حكم به لإظهار الحق، لا ليرجم، قال: وفي هذا حكمة عظيمة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر به ليرجم قبل أن يقر بالزنا، أو أن يثبت عليه؛ ليكون ذلك سببا في إظهار الفاعل لنفسه حين خشي أن يرجم من لم يفعل، وهذا من غرائب استخراج الحقوق، ولا يجوز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم؛ لأن غيره لا يعلم من البواطن ما علم هو صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

قلت: وفيه بحث؛ إذ الحد مما يتمحل في دفعه، لا في إثباته، فكيف يحمل على الإقرار هذا الوجه؟ ويمكن الجواب بأنه لا بد هاهنا من أحد الحدين: إما أن تحد المرأة للقذف إن لم يثبت الزنا، ويحد الرجل إن ثبت، ففي مثل هذا يمكن التمحل لاستخراج الحق، وقد يقال: المرأة ينبغي أن تحد؛ لأنها قذفت [ ص: 87 ] ذلك الرجل الطالب للزاني، وذلك الحد لا يزول بظهور الحق، إلا أن يقال: إذا ظهرت المرأة في أصل القذف صادقة، وبالنظر إلى خصوص الرجل قد ظهر أنه اشتبه عليها الأمر، وهي معذورة، ففي هذه الصورة يندفع عنها الحد إذا ثبت أصل الزنا، فلذلك تمحل في استخراج أصل الزنا، والله تعالى أعلم.

* وقال للرجل قولا حسنا": فقيل: ظاهر هذا السوق يقتضي أن المراد به الرجل الزاني؛ أي: قال في شأنه: إنه مغفور له، أو نحوه، فقيل له في ذلك: كيف تقول فيه هذا القول، مع أنك ترجمه؟ فقال: لأنه تاب مثل هذه التوبة.

وفي الترمذي: "وقال للرجل قولا حسنا، وقال للرجل الذي وقع عليها: ارجموه، وقال: لقد تاب توبة" إلى آخره، وهذا يدل على أن الذي قال له قولا حسنا هو الطالب للزاني، دون الزاني، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية