الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثالث : في نقصان الأقوال .

                                                                                                                وفيه ثمانية فروع :

                                                                                                                الأول : تكبيرة الإحرام ، وقد تقدم الكلام عليها في الأركان .

                                                                                                                [ ص: 310 ] الثاني ، قال صاحب الطراز : لو ذكر قبل الركوع أنه سها عن الفاتحة ، قرأها ويعيد السورة على مذهب الكتاب و ( ش ) ، وقال في المجموعة لا يعيدها لحصولها قبل ، والترتيب من باب الفضيلة ; وأما المستنكح فلا يعيدها ; وحيث قلنا بالإعادة فلا يسجد عند مالك و ( ش ) ; لأن زيادة القراءة مشروعة لا يبطل الصلاة عمدها خلافا لسحنون ; فإن لم يذكر حتى ركع ورفع أو سجد سجدة ، فأربعة أقوال : روى ابن القاسم : يرفع فيقرأ ويسجد بعد السلام ; بناء على إلغاء الركعة ، ويفعل ذلك ويعيد الصلاة عند سحنون احتياطا ; لأن من يقول : لا يجزيه سجود السهو يبطل الصلاة ويقطع بسلام - قاله ابن القاسم ، يبني على الصحة ويتمادى ويسجد قبل السلام - قاله ابن الماجشون ; فإن ذكر بعد السجدتين ، فأربعة أقوال : يضيف لهذه الركعة أخرى ويسلم بعد أن يسجد قبل السلام - قالهابن القاسم ، ويتمادى ويسجد قبل السلام ويفعل ذلك ، ثم يعيد ويلغي الركعة ويجعل الثالثة ثانية في القراءة والجلوس ، ويسجد بعد السلام ، وكذلك الحكم إن ذكر في الثانية ; فإن ذكر وهو راكع في الثالثة أنه أسقطها من إحدى الأوليين فخمسة أقوال : يتمادى ويسجد قبل السلام ، ويفعل ذلك ويعيد الصلاة ; ويجعل الثالثة ثانية ويجلس ويكمل ، ويسجد قبل السلام لترك السورة من هذه الثانية ; ويتمادى على صلاته ويقضي ركعة بالحمد وسورة ، ويسجد بعد السلام ; ويرجع إلى الجلوس ويسجد ويسلم يجعلها نافلة - قاله ابن القاسم ; فإن لم يذكر حتى رفع من الثالثة أو في الرابعة أو التشهد ، فأربعة أقوال : يسجد قبل السلام - قاله ابن القاسم ; قال ابن حبيب : ولم يختلف في ذلك أصحاب مالك ، ويفعل ذلك ويعيد الصلاة - قال وهو ظاهر المذهب ; وقد قال ابن القاسم في الكتاب : كان مالك يحب أن يعيد إذا ترك القراءة من ركعة واحدة في خاصة نفسه من أي الصلوات كانت ، ثم قال : أرجو أن يجزئه سجود [ ص: 311 ] السهو وما هو بالبين ; ويأتي بركعة بالحمد فقط بناء على الإلغاء وجعل الثالثة ثانية ، ويسجد قبل السلام لترك الجلوس وهو المعروف من المذهب على القول بالإلغاء ; ويأتي بركعة بالحمد وسورة ، ويسجد بعد السلام بناء على القضاء في الركعة ; ولو ترك القراءة في الثانية ولم يذكر حتى ركع ; ففيها الأقوال التي في الأولى إلا قول ابن القاسم ، فإنه قال هاهنا يتمادى ; بخلاف الأولى لقوله العمل هاهنا بالكثرة ، ولا فرق عنده في الثانية بين أن يذكر ذلك في ركوعها أو سجودها أو قبل ركوع الثالثة ، فإنه يتشهد ويجعلها نافلة ; فلو ترك القراءة من الأخيرتين ، كان كالترك من الأوليين ; ولو ترك في ركعة من الأخيرة ، فثلاثة أقوال : يسجد ويعيد ، يسجد فقط ، يأتي بركعة ويسجد بعد السلام .

                                                                                                                سؤال : قال ابن القاسم في القراءة لا يتمادى ، وفيمن نسي تكبيرة الإحرام وكبر للركوع ، يتمادى مع الإمام والكل مختلف فيه .

                                                                                                                جوابه : أنه احتياط في الصورتين ، أما في القراءة فلأن البناء على الصحة أحوط ; فإن كل قائل يقول ببطلان الصلاة باعتبار السجود أو باعتبار زيادة ركعة ، أو باعتبار ترك المجموع ، بخلاف الإحرام .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                لو ترك آية من الفاتحة ، ففي الجواهر قال القاضي إسماعيل على المذهب : يسجد قبل السلام ، وقيل : لا يسجد .

                                                                                                                الثالث ، قال ابن القاسم في الكتاب : إذا تعمد ترك السورة في الأوليين يستغفر [ ص: 312 ] الله ولا سجود عليه ، وهو قول ( ح ش ) ; لما في مسلم : من قرأ أم القرآن أجزت عنه ، ومن زاد فهو أفضل . وفي الجلاب : يسجد قبل السلام ، ويجزيه ويعيد الصلاة أبدا وهو قول عيسى في العمد والجهل ; فرأى ابن القاسم أن السجود إنما شرع لوصف السهو لقوله - عليه السلام - : لكل سهو سجدتان - فلا يسجد - للعمد . ورأى غيره أنه يشرع لجبر الخلل ، وهو مشروع في الحالتين ; قال صاحب الطراز : فلو ترك بعض السورة فلا سجود اتفاقا ، وفي الكتاب : لا يقضي قراءة ركعة في ركعة .

                                                                                                                الرابع في الكتاب : إذا سها عن التشهد أو التشهدين ، سجد - إن ذكر . وإلا فلا شيء عليه . قال صاحب الطراز : إن ذكر قبل السلام تشهدا أو بعده - وهو قريب - رجع إلى الصلاة بإحرام قولان ، ويسجد بعد السلام . والتشهد عند مالك أخف من غيره ، فإن كان مأموما وذكر قبل سلامه وبعد سلام إمامه - وقيامه ; قال ابن القاسم : يتشهد ويسلم ، فإن قام إمامه ، فلا يتشهد ولا شيء عليه .

                                                                                                                تنبيه

                                                                                                                كيف يقول في الكتاب : إن سها عن التشهدين سجد قبل السلام مع أنه إنما يتحقق سهوه عن التشهد الأخير - إذا سلم ؟ فإن قيل : السلام كله مكمل للتشهد ، فتصوره مشكل جدا ، وكذلك قول صاحب الجلاب : ووجوب سجود [ ص: 313 ] السهو عن فعل كترك الجلسة الوسطى وما أشبهها ، وليس في الصلاة شيء يشبه الجلسة الوسطى من الأفعال في إيجاب السجود ، والجواب : يتصور ذلك في ثلاث مسائل : في الراعف المسبوق بركعة خلف الإمام ، والمقيم المسبوق يصلي خلف مسافر ، والمقيم يصلي صلاة الخوف - خلف إمام مسافر ، فيجتمع لهؤلاء المسبوقين القضاء وهو ما فاتهم قبل الإحرام والبناء - وهو ما فاتهم بالرعاف ; ومذهب ابن القاسم تقديم البناء ، فيأتون بركعة ويجلسون لأنها ثانيتهم ، وبأخرى ويجلسون لأنها رابعة إمامهم ، وبأخرى ويجلسون ، لأنها آخر صلاتهم ، فإذا سهوا عن جلستين من هذه الجلسات ، تصورت هذه المسائل في السهو .

                                                                                                                الخامس في الكتاب : إذا سها عن أكثر من تكبيرتين سجد ، وإلا فلا . وفي الجلاب عن ابن القاسم يسجد . ومنشأ الخلاف : النظر إلى أن التكبير كلمتان فتخف الواحدة منهما ، أو إلى كونها مشروعة محدودة فيسجد .

                                                                                                                السادس قال في الكتاب : إذا أبدل سمع الله لمن حمده بالتكبير أو بالعكس يرجع إلى المشروع ، وإلا سجد قبل السلام ; وإن نسي واحدة منهما ، فذلك خفيف ; قال صاحب الطراز : معناه ترك موضعين وأبدلهما ، فلم يثبت البدل لعدم مشروعيته ; فإن أبدل موضعا واحدا ، فالمروي لا شيء عليه ، ويتخرج [ ص: 314 ] على القول بالسجود للتكبيرة الواحدة السجود ; ولو رجع إلى التحميد ، والتكبير فظاهر الكتاب لا شيء عليه ; وقيل : يسجد بعد الزيادة - وهو يظهر على قول ابن الماجشون - أن الذكر في غير محله زيادة ، فيراعى زيادة اثنتين ، كما يراعى نقصانهما ; قال : ومن يراعي نقصان تكبيرة ، أمكن أن يراعي زيادتها بطريق الأولى لانفصال سجود الزيادة عن الصلاة ; قال : والمذهب لا سجود لزيادة التكبير والتحميد ; لأنه لا تبطل الصلاة عنده ; فإن فات المحل ، قال بعض الشيوخ : إن حمد لانحطاطه وكبر لرفعه ، يأتي بتكبير ينوي به الخفض ، وتحميد ينوي به الرفع ; وخالفه كثير من الشيوخ لأجل الفوت . وأما قوله : يسجد قبل السلام ; فقال ابن عبد الحكم : يعيد خوف الزيادة في الصلاة بالسجود قبل .

                                                                                                                السابع قال صاحب الطراز : لو أسر فيما يجهر فيه ، سجد قبل السلام ; إلا أن تكون الآية ونحوها خلافا ( ح ش ) . لنا قوله - عليه السلام - : لكل سهو سجدتان . فلو كثر ذلك فأعاد القراءة جهرا ، فروى أشهب : لا سجود عليه ; وروي عن ابن القاسم قبل لترتب السجود عليه أولا ; وروي عن مالك أنه يسجد إذا أسر بعد جهر من الزيادة في الصلاة ، فالسجود لقوة الاختلاف في ذلك .

                                                                                                                الثامن : قال ابن القاسم في الكتاب : إذا شك : هل سلم أم لا ؟ يسلم ولا سجود عليه . قال صاحب الطراز : فلو سها عن السلام ولم يعتقد أنه سلم وطال الجلوس جدا ، ثم ذكر فسلم ; فظاهر المذهب لا سجود ; وفي كتاب ابن سحنون : يسجد لزيادة الطول ، فإن اعتقد أنه سلم ، ثم ذكر وهو باق في موضعه - لم ينحرف عن القبلة - ولم يحدث ما ينافي الصلاة ، سلم ولا شيء عليه ; فإن تحول عن [ ص: 315 ] القبلة وهو قريب استقبلها بغير إحرام وسلم من غير تشهد ، ويسجد بعد لزيادة التحول ; وإن تباعد أو أحدث ابتدأ صلاته ; ويختلف في السجود إذا تغير عن هيئته ، وفي الإحرام كما إذا قام ; وإذا قلنا يكبر إذا قام ، قال مالك : يكبر ثم يجلس ; لأن مشروعية الإحرام في القيام ، وقال ابن القاسم : يجلس ويكبر ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام ; ليتصل التكبير بالحالة التي فارق فيها ; فإن أحرم بنافلة ، رجع إن لم يركع على المشهور ، كما يرجع للسجود قبل أن يركع ، ولمالك تبطل صلاته ; لأن إحرام النافلة يبطل إلا بسلام - وهو مبطل للفريضة ; فإذا قلنا يرجع فلم يذكر حتى ركع ، قال ابن القاسم : يرجع ; وقال سحنون : لا يرجع ، والمشهور الرجوع إذا خرج من المكتوبة إلى النافلة - ولو صلى ركعتين .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية