الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد استهزئ برسل من قبلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به صلى الله عليه وسلم في ضمن الاستعجال ، وعدة ضمنية بأنه يصيبهم مثل ما أصاب المستهزئين بالرسل السالفة عليهم الصلاة والسلام ، وتصديرها بالقسم لزيادة تحقيق مضمونها . وتنوين "الرسل" للتفخيم والتكثير . و"من" متعلقة بمحذوف هو صفة له ، أي : وبالله لقد استهزئ برسل أولي شأن خطير وذوي عدد كثير ، أو حل ، أو نحو ذلك ، فإن معناه يدور على الشمول واللزوم ، ولا يكاد يستعمل إلا في الشر والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : بالذين سخروا منهم أي : من اولئك الرسل عليهم السلام ، متعلق بـ "حاق" ، وتقديمه على فاعله الذي هو قوله تعالى : ما كانوا به يستهزئون للمسارعة إلى بيان لحوق الشر بهم . و"ما" إما موصولة مفيدة للتهويل والضمير المجرور عائد إليها والجار متعلق بالفعل وتقديمه عليه لرعاية الفواصل ، أي : فأحاط بهم الذين كانوا يستهزءون به حيث أهلكوا لأجله ، وإما مصدرية فالضمير المجرور راجع حينئذ إلى جنس الرسول المدلول عليه بالجمع كما قالوا . ولعل إيثاره على الجمع للتنبيه على أنه يحيق بهم جزاء استهزائهم بكل واحد واحد منهم عليه السلام لا جزاء استهزائهم بكلهم من حيث هو كل فقط ، أي : فنـزل بهم جزاء استهزائهم على وضع السبب موضع السبب إيذانا بكمال الملابسة بينهما ، أو عين استهزائهم إن أريد بذلك العذاب الأخروي بناء على تجسم الأعمال ، فإن الأعمال الظاهرة في هذه النشأة بصور عرضية تبرز في النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح [ ص: 69 ] وعلى ذلك بني الوزن ، وقد مر تفصيله في (سورة الأعراف ) ، وفي قوله تعالى : إنما بغيكم على أنفسكم ... الآية إلى آخرها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية