الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الثاني : الصوم وقاله ( ح ) ، خلافا ل ( ش ) محتجا بما في الموطأ أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من شوال ، ويوم الفطر لا صوم فيه ، وقال عمر - رضي الله عنه - له - صلى الله عليه وسلم - : إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية ، فقال له : " أوف بنذرك، والليل لا صوم فيه " ، ولأنه ليس شرطا في اعتكاف الليل فلا يكون بالنهار إذ لا . . . أثناء العبادة ، ولأنه لبث في مكان مخصوص ، فلا يشترط فيه الصوم قياسا على الوقوف بعرفة .

                                                                                                                والجواب عن الأول : إن خروج يوم الفطر من العشر لا يعد بإطلاق لفظ [ ص: 537 ] العشر عليه .

                                                                                                                وعن الثاني أن الدارقطني روى : " أوف بنذرك وصم " ، أو إن الصوم كان أول الإسلام بالليل ، ولعل ذلك قبل نسخه .

                                                                                                                وعن الثالث أن . . . كالنية الفعلية .

                                                                                                                وعن الرابع : قلبه عليهم بأنه لبث في مكان مخصوص فلا يستدل به قياسا على الوقوف بعرفة . لنا حديث عائشة المتقدم ، وأجمعنا لو نذر الاعتكاف صائما لزمه الصوم ، ولو لم يكن شرطا لما لزم كما لو نذر الاعتكاف متصدقا ; لأن الجمع بينهما ليس قربة بالشرع ، وكل واحد قربة على حدته ، وأما نذره الحج ماشيا فإن المشي مكمل الحج بالتواضع فيه ، وإلا فالأصل أن هذه الأحوال لا تلزم في النذور ، قال ابن يونس : وسواء كان الصوم له أو لغيره ، كالطهارة شرط في الصلاة وقد تفعل لغيرها ، قال عبد الملك : وله أن يعتكف في قضاء رمضان وكل صوم واجب ، وإن نذر الاعتكاف فلا يعتكفه في صوم واجب لإيجاب النذر الصوم ، وقال ابن عبد الحكم : له أن يجعله في صيام النذر ، قال اللخمي : ولو اعتقد أنه يجعله في صوم واجب أو كان يجهل أن الصوم شرط ، جاز أن يجعله في أي صوم شاء ، قال صاحب المنتقى : أجاز مالك جعله في أي صوم شاء خلافا لعبد الملك ; لأنه لو نذر صلاة لا يجب عليه أن يتطهر لها ، بل يكتفي بطهارة غيرها ، وفي الكتاب : إن أفطر متعمدا انتقض اعتكافه ، أو ناسيا اعتكف يوما مكانه ووصله باعتكاف ، فإن لم يصله ابتدأ ، قال ابن يونس : قال ابن حبيب : ذلك في النذر ، أما التطوع فلا قضاء مع النسيان ، قال : يحتمل أن يكون خلافا لقول مالك أو وفاقا ، وحكاه سند خلافا عن عبد الملك ، قال : والفرق لمالك بينه وبين التطوع بالصوم أنه يتعين بنية الدخول ، كما يتعين بالنذر ، وقال ابن القاسم في الكتاب : إن عجز عن الصوم لمرض خرج ، فإذا صح بنى فإن فرط في البناء ابتدأ ، فإن صح في بعض النهار وقوي عن الصوم دخل حينئذ ولا يؤخر ذلك ، قال مالك : وإذا طهرت الحائض رجعت حينئذ ، فإن [ ص: 538 ] كان يوم الفطر في مدة اعتكافه وصح قبله بيوم يرجع ولا يبيت ليلة يوم الفطر في معتكفه ، فإذا قضى يوم الفطر عاد . وروى ابن نافع : يرجع بعد صلاة العيد ولا يعتد بذلك اليوم ، قال سند : إن كان مرضه لا يلزمه الخروج من المسجد وجبت الإقامة ليأتي من العبادة بالممكن ، وروي عن مالك : يخرج حتى يقدر على الصوم فلا اعتكاف إلا بصوم .

                                                                                                                وقد خرج بعض المتأخرين على هذا أنه إذا صح أو طهرت في بعض النهار لا يرجعان لعدم الصوم ، والفرق أن طرو العذر ممكن الدوام فيبقى مدة معتكفا بغير صوم ، بخلاف ارتفاعه فإنه يتعقبه الصوم من الغد فلا يمنع ، كما لو زال العذر بالليل . والفرق بين ليل الفطر وغيره أن سائر الليالي وقت لابتداء الاعتكاف ، فيكون وقتا لاستدامته ، وأن سائر الليالي قابل لنية الصوم بخلاف الفطر .

                                                                                                                وإذا قلنا لا يخرج ليلة العيد على رواية ابن نافع ، فقد خالف سحنون في الخروج إلى الصلاة ، وهو مبني على الخلاف في الخروج إلى الجمعة . وظاهر قوله فيمن اعتكف العشر فمرض أنه : يقضي أيام المرض بعد العيد ، أن الاعتكاف المعين بخلاف الصيام المعين ، والفرق أن الاعتكاف أشبه بالحج والعمرة ; لتعلقه بالمسجد وبقائه مع المرض كبقاء الإحرام مع فوات الحج وفساده ، ولأنه يلزم متابعته بالنية ، كما يلزم بالبدن بخلاف الصوم ، وقد قال سحنون : يقضي اعتكاف رمضان لوجوب قضاء صومه وصيرورة الاعتكاف معه كالعبادة الواحدة بخلاف غيره ، فلو استغرق المرض أو الحيض جميع العشر الذي نواه أو نذره فلا قضاء عليه عند سحنون في رمضان ولا في غيره ; لأن الحج ، والعمرة إذا نذرهما في سنة معينة فمرض لا يقضيهما ، وعند ابن عبدوس يقضي في الموضعين توفية بالسبب ، وعلى أصل عبد الملك إن قصد بنذر الأيام أمرا يختص بها لم يقض وإلا قضى ، قال الباجي : ظاهر المذهب لا يقضي في غير رمضان ، وإذا رجعت الحائض والمريض في بعض النهار ، روى ابن القاسم : لا يعتد بذلك اليوم لعدم الصوم : فإن طهرت [ ص: 539 ] قبل الفجر اغتسلت ونوت ودخلت المعتكف [ حين تصبح ] ، ويجزيها عند مالك ، وقال سحنون : لا يجزيها حتى تدخل أول الليل كابتداء الاعتكاف ، وهو مبني على الخلاف في الابتداء : فعند سحنون لا يجزيه إلا من أول الليل ، وعند مالك وغيره يجزيه ، وإذا قلنا بالإجزاء ففرطت ، استأنفت الاعتكاف .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية