الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر القبض على سليمان شاه وحبسه بالموصل

في هذه السنة قبض زين الدين علي كوجك نائب قطب الدين مودود بن زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل ، على الملك سليمان شاه ابن السلطان محمد بن ملكشاه ، وكان سليمان شاه عند عمه السلطان سنجر قديما ، وقد جعله ولي عهده ، وخطب له في منابر خراسان ، فلما جرى لسنجر مع الغز ما ذكرناه ، وتقدم على عسكر خراسان ، وضعفوا عن الغز ، مضى إلى خوارزم شاه فزوجه ابنة أخيه أقسيس ، ثم بلغه عنه ما كرهه فأبعده ، فجاء إلى أصفهان فمنعه شحنتها من الدخول ، فمضى إلى قاشان ، فسير إليه محمد شاه ابن أخيه محمود بن محمد عسكرا أبعدوه عنها ، فسار إلى خوزستان ، فمنعه ملكشاه عنها ، فقصد اللحف ونزل البنديجين ، وأرسل رسولا إلى الخليفة المقتفي يعلمه بوصوله ، وترددت الرسل بينهما ، إلى أن استقر الأمر على أن يرسل زوجته تكون رهينة ، فأرسلها إلى بغداد ومعها كثير من الجواري والأتباع ، وقال : قد أرسلت هؤلاء رهائن ، فإن أذن أمير المؤمنين في دخول بغداد فعلت وإلا رجعت .

[ ص: 226 ] فأكرم الخليفة زوجته ومن معها ، وأذن في القدوم ومعه عسكر خفيف يبلغون ثلاثمائة رجل ، فخرج ولد الوزير ابن هبيرة يلتقيه ، ومعه قاضي القضاة والنقيبان ، ولم يترجل له ابن الوزير ، ودخل بغداد وعلى رأسه الشمسة ، وخلع عليه الخليفة ، وأقام ببغداد إلى أن دخل المحرم من سنة إحدى وخمسين وخمسمائة فأحضر فيه سليمان شاه إلى دار الخليفة ، وأحضر قاضي القضاة والشهود وأعيان العباسيين ، وحلف للخليفة على النصح والموافقة ولزوم الطاعة ، وأنه لا يتعرض إلى العراق بحال .

فلما حلف خطب له ببغداد ولقب ألقاب أبيه غياث الدنيا والدين ، وباقي ألقابه ، وخلع عليه خلع السلطنة ، وسير معه من عسكر بغداد ثلاثة آلاف فارس ، وجعل الأمير قويدان صاحب الحلة أمير حاجب معه ، وسار نحو بلاد الجبل في ربيع الأول .

وسار الخليفة إلى حلوان ، وأرسل إلى ملكشاه ابن السلطان محمود أخي السلطان محمد صاحب همذان وغيرها يدعوه إلى موافقته ، فقدم في ألفي فارس ، فحلف كل منهما لصاحبه وجعل ملكشاه ولي عهد سليمان شاه ، وقواهما الخليفة بالمال والأسلحة وغيرها ، فساروا واجتمعوا هم وإيلدكز ، فصاروا في جمع كبير .

فلما سمع السلطان محمد خبرهم أرسل إلى قطب الدين مودود صاحب الموصل ، ونائبه زين الدين يطلب منهما المساعدة والمعاضدة ، ويبذل لهما البذول الكثيرة إن ظفر ، فأجاباه إلى ذلك ووافقا ، فقويت نفسه وسار إلى لقاء سليمان شاه ومن اجتمع معه من عساكره ، ووقعت الحرب بينهم في جمادى الأولى ، واشتد القتال بين الفريقين ، فانهزم سليمان شاه ومن معه ، وتشتت العسكر ووصل من عسكر الخليفة - وكانوا ثلاثة آلاف رجل - نحو من خمسين رجلا ، ولم يقتل منهم أحد ، وإنما [ ص: 227 ] أخذت خيولهم وأموالهم ، وتشتتوا ، وجاءوا متفرقين .

وفارق سليمان شاه إيلدكز وسار نحو بغداد على شهرزور ، فخرج إليه زين الدين علي في جماعة من عسكر الموصل ، وكان بشهرزور الأمير بزان مقطعا لها من جهة زين الدين ، فخرج زين الدين وسار ، فوقفا على طريق سليمان شاه ، فأخذاه أسيرا ، وحمله زين الدين إلى قلعة الموصل وحبسه بها مكرما محترما ، إلى أن كان من أمره ما نذكره سنة خمس وخمسين [ وخمسمائة ] إن شاء الله ، فلما قبض سليمان شاه أرسل زين الدين إلى السلطان محمود يعرفه ذلك ، ووعده المعاضدة على كل ما يريده منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية