الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين عطف على قوله ولقد نادانا نوح ، والمناسبة هي ما ذكر هنالك .

وذكر هنا ما كان منة على موسى وهارون وهو النبوءة فإنها أعظم درجة يرفع إليها الإنسان ، ولذلك اكتفي عن تعيين الممنون به لحمل الفعل على أكمل معناه . وجعلت منة من الله عليهما لأن موسى لم يسأل النبوءة إذ ليست النبوءة بمكتسبة ، وكانت منة على هارون أيضا لأنه إنما سأل له موسى ذلك ولم يسأله هارون ، فهي منة عليه وإرضاء لموسى ، والمنة عليهما من قبيل إيصال المنافع ، فإن الله أرسل موسى لإنقاذ بني إسرائيل من استعباد القبط لإبراهيم وإسرائيل .

وفي اختلاف مبادئ القصص الثلاث إشارة إلى أن الله يغضب لأوليائه ، إما باستجابة دعوة ، وإما لجزاء على سلامة طوية وقلب سليم ، وإما لرحمة منه ومنة على عباده المستضعفين . وإنجاء موسى وهارون وقومهما كرامة أخرى لهما ولقومهما بسببهما ، وهذه نعمة إزالة الضر ، فحصل لموسى وهارون نوعا الإنعام وهما : إعطاء المنافع ، ودفع المضار .

[ ص: 164 ] والكرب العظيم : هو ما كانوا فيه من المذلة تحت سلطة الفراعنة ومن اتباع فرعون إياهم في خروجهم حين تراءى الجمعان فقال أصحاب موسى : إنا لمدركون فأوحى الله إليه : أن يضرب بعصاه البحر ، فضربه فانفلق واجتاز منه بنو إسرائيل ، ثم مد البحر أمواجه على فرعون وجنده ، على أن الكرب العظيم أطلق على الغرق في قصة نوح السابقة وفي سورة الأنبياء على الأمم التي مروا ببلادها من العمالقة والأموريين فكان بنو إسرائيل منتصرين في كل موقعة قاتلوا فيها عن أمر موسى ، وما انهزموا إلا حين أقدموا على قتال العمالقة والكنعانيين في سهول وادي ( شكول ) لأن موسى نهاهم عن قتالهم هنالك كما هو مسطور في تاريخهم .

و ( هم ) من قوله " فكانوا هم الغالبين " ضمير فصل وهو يفيد قصرا ، أي هم الغالبين لغيرهم ، وغيرهم لم يغلبوهم ، أي لم يغلبوا ولو مرة واحدة ، فإن المنتصر قد ينتصر بعد أن يغلب في مواقع .

التالي السابق


الخدمات العلمية