الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 385 ] ذكر رحيل صلاح الدين من مصر إلى الكرك وعوده عنها

في هذه السنة ، في شوال ، رحل صلاح الدين يوسف بن أيوب من مصر بعساكرها جميعها إلى بلاد الفرنج يريد حصر الكرك ، والاجتماع مع نور الدين عليه ، والاتفاق على قصد بلاد الفرنج من جهتين كل واحد منهما في جهة بعسكره .

وسبب ذلك أن نور الدين لما أنكر على صلاح الدين عوده من بلاد الفرنج في العام الماضي ، وأراد نور الدين قصد مصر وأخذها منه ، أرسل يعتذر ، ويعد من نفسه بالحركة على ما يقرره نور الدين ، فاستقرت القاعدة بينهما أن صلاح الدين يخرج من مصر ويسير نور الدين من دمشق ، فأيهما سبق صاحبه يقيم إلى أن يصل الآخر إليه ، وتواعدا على يوم معلوم يكون وصولهما فيه ، فسار صلاح الدين عن مصر لأن طريقه أصعب وأبعد وأشق ، ووصل إلى الكرك وحصره .

وأما نور الدين فإنه لما وصل إليه كتاب صلاح الدين برحيله من مصر فرق الأموال ، وحصل الأزواد وما يحتاج إليه ، وسار إلى الكرك فوصل إلى الرقيم ، وبينه وبين الكرك مرحلتان . فلما سمع صلاح الدين بقربه خافه هو وجميع أهله ، واتفق رأيهم على العود إلى مصر ، وترك الاجتماع بنور الدين ، لأنهم علموا أنه إن اجتمعا كان عزله على نور الدين سهلا .

فلما عاد أرسل الفقيه عيسى إلى نور الدين يعتذر عن رحيله بأنه كان قد استخلف أباه نجم الدين أيوب على ديار مصر ، وأنه مريض شديد المرض ، ويخاف أن يحدث عليه حادث الموت فتخرج البلاد عن أيديهم ، وأرسل معه [ من ] التحف والهدايا ما يجل عن الوصف ، فجاء الرسول إلى نور الدين وأعلمه ذلك فعظم عليه وعلم المراد من العود ، إلا أنه لم يظهر للرسول تأثرا بل قال له : حفظ مصر أهم عندنا من غيرها .

وسار صلاح الدين إلى مصر فوجد أباه قد قضى نحبه ولحق بربه ، ورب كلمة تقول لقائلها دعني . وكان سبب موت نجم الدين أنه ركب يوما فرسا بمصر ، فنفر به [ ص: 386 ] الفرس نفرة شديدة ، فسقط عنه فحمل إلى قصره وقيذا ، وبقي أياما ، ومات في السابع والعشرين من ذي الحجة ، وكان خيرا ، عاقلا ، حسن السيرة كريما جوادا ، كثير الإحسان إلى الفقراء والصوفية ، والمجالسة لهم . وقد تقدم من ذكره وابتداء أمره وأمر أخيه شيركوه ما لا حاجة إلى إعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية